Atwasat

مشروع برقة

نورالدين خليفة النمر الخميس 24 مارس 2022, 02:30 صباحا
نورالدين خليفة النمر

استبدت بالمجتمعية الطرابلسية، قبيل انقلاب الجيش على الملكية عام 1969، مخاوف عودة فكرة الانقسام الليبي شرقا عن غرب. فقد كان يؤرقها مصير ليبيا لطعون الملك إدريس السنوسي في السن. فساد اعتقاد عام بأن بموته ستنفرط ليبيا التي وحد أقاليمها الثلاثة. فتدخل البلاد حسب التعبير الدارج على الألسنة في بعضها البعض إذ ينازع البرقاويون من الشرق أهل الغرب الطرابلسي جدارتهم التي توفرت لها عوامل موضوعية لقيادة ليبيا.

النخبة الوطنية الواعية في الغرب الطرابلسي، التي لم يتم التلاعب بها من قبل تيارات القومية العربية، أدركت انسداد أفق الملكية السياسي، بعودة الملك إدريس عن استقالته عام 1965، وترك مصير مملكته تعصف به المتغيرات السياسية الدولية. فخضع لضغط حاشية قصره بأن لا يصرح بوريث لعرشه قبيل انقلاب الجيش عليه عام 1969.

القاريء لتاريخ المطالبة باستقلال ليبيا أعوام 1949 ـ 24 ديسمبر 1951 لا يجد مشروعاً سياسياً إقليميا باسم برقة، بل يجد الأمير إدريس الدي استبطن ميراث السنوسية الدعوي، والجهادي في شخصه السياسي مهيمناً بـ هيبته الكاريزمية بالمفهوم "الفيبري" على قبائل برقة، ومرشحاً مدعوماً بالقوات البريطانية المحررة. بينما في مقابله، يجد المتابع للتاريخ والسياسة التي أرهصت للاستقلال الليبي إقليما سياسياً باسم طرابلس مثلته رغم عدم تجذرها قيادات لأحزاب شعبية ونقابات فاعلة على أرض الواقع المجتمعي. رصته في فسخ المشروع الدولي التقسيمي ودعاوى الوصاية الإقليمية، والمطالبة باستقلال ليبيا موحدة بأقاليمها الجغرافية الثلاثة.

بعد أن تمت مبايعة الأمير إدريس ملكا على ليبيا. فقدت طرابلس تمثيليتها الإقليمية عبر أحزابها، وبتواطؤ من الإدارة الانتدابية البريطانية على طرابلس أسندت رئاسة الحكومة الاتحادية إلى رئيسها المنتسب إلى عائلة سياسية ترجع أصولها إلى مصراتة ونافذة في طرابلس مالياً وإدارياً منذ نهاية العهد العثماني الثاني. وفي أول انتخابات برلمانية 1952 تم حل الأحزاب لصالح تقوية مركز الحكومة، وتهميش القيادات الحزبية، بل نفي زعيم حزب المؤتمر الطرابلسي، الذي اكتسب ولاء الجماهير الشعبية بمساهمته البارزة في حراك الاستقلال، إلى خارج البلاد بحجة أنه يحمل جواز سفر أجنبي لتبوئه وظيفة مستشار سابق لدى ملك السعودية.

نجح انقلاب الضباط صغار الرتب في الجيش الليبي عام 1969 في إسقاط النظام الملكي بمباركة ودعم الليبيين في الآقاليم الثلاثة، وكان دعم برقة واضحاً بأن مدينة بنغازي العاصمة الدستورية الثانية في الشرق الليبي انطلق من إذاعتها بيان الانقلاب الأول، وأن قوة دفاع برقة الموكول لها حماية الملك وحاشية قصره آمرها كان من ضمن تشكيلة الضباط الانقلابيين ومكافأة له على تحييد قوته كُوفيء بوزارة الداخلية في أول تشكيل لحكومة الانقلاب.

بدأ العهد الجمهوري بملاشاة الوطنية الليبية في مشروعه الثوري القومي ذي النزعة العروبية، حتى إعلان ما سمي بسلطة الشعب 1977، الذي اختصر آلية الحكم السياسي في شعب وهمي وقيادة دكتاتورية منفردة، انكفأت لاحقاً على قبائليتها بسبب فشل مشروعها القومي الديماغوجي، وتعرضها لمحاولات انقلابية أبرزها محاولة أغسطس عام 1975، التي قادها عضو من مجلس الانقلاب وشملت مجموعة كبيرة من ضباط الصف الثاني أبرزهم ينتمون إلى مدينة مصراتة.

النظام الجماهيري الوهمي، الدي أسقطته شبه ثورة شعبية مسلحة دعمتها قوات التحالف الدولي المختصرة في اسم "الناتو"، مآله حسب رؤية الإقليمية المجاورة لحدود ليبيا لخصته نصيحة الرئيس الجزائري، الذي عايش نهاية النظام الليبي لوزير خارجية فرنسا، التي ساهمت بفعالية سياسية وعسكرية في إسقاطه عام 2011، "بأن ليبيا ليست دولة، بل بلد قبائل، سيقاتل الناس بعضهم البعض وسوف تنتشر الأسلحة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الجزائر وتونس. وفي غضون سنوات قليلة، ستتحرك الجماعات الإرهابية جنوبًا منتشرة في منطقة الساحل الأفريقي".

ظهرت بدور المشروع الذي يدعيه من يسمون أنفسهم بالبرقاويين بعد ثورة 17 فبراير 2011 بتواقت مع العمليات الابتزازية لميليشيات قبلية قادها حرابي يدعي النسبة إلى قبيلة المغاربة في أجدابيا، والتي بسببها أوقف تصديرالنفط عام 2015 من موانيء خليج السدرة البريقة ورأس الأنوف. في شعارات منازعة عدة كـ الانفصالية المتخفية وراء الفيدرالية، والاستحواذ علي موارد النفط المُدعى أن حقولها في شرق ليبيا، وإنهاء المركزية الإدارية للعاصمة طرابلس، بل التأجيج للعدوان عليها كما حدث في عام 20 ـ 2021 بسبب ادعاء استحواذها على ثروة النفط في المصرف المركزي الليبي، الذي ظلت مهمته ثابتة بتوزيع ريع النفط على الليبيين في صورة مرتبات، رغم افتعال عواصم حكومية منافسة للعاصمة التاريخية طرابلس أملتها ظروف اضطرار منذ خمسينيات القرن العشرين كبنغازي والبيضاء في الشرق، وسرت في الوسط. وقد زادت نعرة العداء البرقاوية لطرابلس التي أججت عبر رئاسة البرلمان، وجيرها مسمى قائد الجيش الليبي لأهدافه السلطوية في بسط سيطرته عندما وقعت الحكومة المؤقتة الناتجة عن اتفاق الصخيرات الذي كان البرلمان موافقا عليه، إعادة ترتيب اتفاقية حدود بحرية مضافة إليها إعانة عسكرية مع الدولة التركية لصد عدوان مسمى الجيش الليبي بمليشياته القابعة في ثكنة الرجمة ببنغازي بدون تبعية قانونية ملزمة لبرلمان طبرق .

أورد الموقع الصحفي الألكتروني لليبيا المستقبل ما كتبه المسؤول على إدارة صحيفة بوابة الوسط الليبية على الفيس بوك دون تحديد هوية سياسية واضحة لبرقة ومراعاة للتغييرات الجغرافية والأنتربولوجية التي حدثت بفعل العوامل الريعية التي طرأت عبر الزمن: "بأن برقة مستنزفةً نفسها استُعملت مند عام 2014 حتى اليوم ورقة ضغط في الصراع السياسي لصالح دولة أو منظومة أو قبيلة وفي معظم الأحيان لحساب شخص أو عائلة". فبرقة حسب رأيه "عليها أن تجد مشروعها، وتذهب به إلى طرابلس وتشاركها السلطة والثروة وبناء الدولة، وإلا ستجد نفسها إيالة عثمانية أو مصرية تحكم بفرمانات تأتي عبر الحدود".

فرضية أن لبرقة مشروعاً، ينبغي أن تذهب به إلى طرابلس، واقعيا ذهب به الرئيس المُرشح باسم تسوية بين رئاسة برلمان طبرق، ومسمى قيادة الجيش الليبي، وقوة نافذة في جهوية مصراتة، لتوليه مقاليد حكومة موازية، للحكومة المصراتية الموحدة الموجودة فعلياً في طرابلس العاصمة باسم حكومة الاستقرار الموعودة، لتنضاف إلى مسلسل الحكومات المؤقتة السابقة مفاهيم لا ما صدقات لها.