Atwasat

احرقوا آبار البترول!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 22 مارس 2022, 10:12 صباحا
أحمد الفيتوري

صرخة يأس وتذمر، انتشرت: أحرقوا آبار البترول، حدث ذلك مع أواخر عقد الستينيات مطلع السبعينيات، فلقد بدا لعقول وجلة ونفوس مضطربة، أن الرذائل التي أنتجها البترول، زادت عن الحد، فقصمت ظهر البلاد، وأظهرت نقص البشر. لقد عرت الليبيين فظهروا أن لا عقل لهم، من تركوا الأرض فالزرع والضرع!.

هكذا كتب صحفيون تلك الصرخة، مثلما كتب الصحفي على شعيب، فيما تداعى كتاب عن المجتمع لفضح معائبه. ونتيجة ذلك جعلوا البترول، الغول الذي يتربع عند كل سوق، ويندس في كل بيت. وأنه الروح ما تلبست الليبيين، وجعلتهم كما حيوان الكسلان، يستوردون كل أشياء حياتهم، وهم يتكؤون على تكية البترول، يرمقون بغضب كل البشر الآخرين. كما صورت ذلك: اللوحات الساخرة للفنان محمد الزواوي، المقالات التهكمية للصادق النيهوم، وعبر الراديو في تمثيليات عبدو الطرابلسي، فمسرحيات مصطفي الأمير، وقبل قصائد الشاعر الشعبي جعفر الحبوني، كـ "وين ثروة البترول يا سمسارة".

كانت هذه الفزعة مصابة بداء "الفجعة"، ما يطلقه ليبيون على مرض نفسي، يصيب المرء بالهلع والخوف. فالبترول داء كل داء، ظهر على جسد المجتمع، كما تبين لجمع كبير من الليبيين ومنهم من أشرنا إليهم. وطبعا الرومانتيكيون منهم، التفتوا إلى الخلف، ليكيلوا المديح لما مضى من الزمان، باصطلاح اليوم: الزمن الجميل، فأسفوا على عصر الجيل الصاعد!، الباهت الملامح، الفاقد لأي حيثية، المُخَرَبْ والمُخرِبْ، من خربه البترول، فخرب ما ورث والحياة. وكأنهم يبحثون عن ضحية، للمتغيرات التي طالتهم، هم من لا يطيقون صبرا، عجلوا بالمطالبة بحرق البترول، فإن الغول البترول، ولد المسخ الليبي، مواطن ما بعد البترول.

طبعا هناك من اختلف مع هذا التيار "السسيوبترول"، ومن هؤلاء تيار الضد، حيث لكل فعل رد فعل، فكال ذا التيار الغزل، وكتب قصائد مديح البترول. فيما البعض نظر نظرة أخرى، فاعتبر أن البترول وسيلة لا غاية، لهذا كتبت حينها، وفي مقتبل العمر، بجريدة الجهاد مقالة "بنغازي لم تكن طيبة حتى ساعات قبل ظهور البترول"، على ما أذكر.

الحقيقة المرّة أن النفط منذئذ، ثروة لإهدار الجهد والوقت والمال، هذا ما فعلته به سلطة انقلاب سبتمبر، طوال عقودها الطويلة. ومن يراجع خطب، العقيد معمر القذافي، ما لا تعد ولا تحصى، سيجد أن متنها النفط، سوى بالإفصاح عنه أو بالمسكوت عنه، حتى ظهر اصطلاح المجنب. إن ليبيا رهينة هذه الثروة، فليبيا عند الآخر: دولة النفط وإمبراطورية الرمال!.

أما ما بعد القذافي، فالنفط خلفية حرب أهلية، كانت نارا تحت رماد نظام سبتمبر الانقلابي، ما ساهم بقوة وعنجهية، في إهدار فرصة وقلبها إلى الضد. وحتى اليوم البترول سلاح الثروة وثروة السلاح. ولهذا كل فترة وأخرى، يقوم فصيل بقطع سبله أو بالتهديد بذلك، باعتبار أنه الثروة التي في يد الفصيل الأقوى.

البترول لم تحرق آباره، وإن في تاريخه الليبي، مرة قام شخص يدعى "الهندياني"، أيام العهد الملكي، بتفجير مواسير نقل نفط. أما الغاز فمنذ انبلاج النفط يحرق، وكل من مرّ وشاهد حقول النفط، يشاهد شعلة ليبيا/ الغاز يحترق. إذا لقد أفلحنا لأسباب عدة، في إهدار غازنا ونفطنا، وفي إهدار جهدنا ووقتنا ومالنا، كما أفلحنا في الاقتتال، حول قصعة البترول، ما استحوذ عليها السماسرة، كما عند الشاعر جعفر الحبوني. وأثناء حربنا الباردة أو الساخنة، استحوذ نفر منا على ثروتنا، وكانوا وكلاء ليس إلا، وكلاء المستحوذ الرئيس أمريكا وأوروبا أولا وأخيرا.
اليوم ومع حرب أوروبا، يكون الفاتحة النفط والغاز، ما قلّ عرضه فغلا ثمنه، فما حصادنا من ذا الزرع، غير المزيد من الانقسام، وأن يباع لنا بثمنه، كلام دولي حول يجب ما يجب. أما المواطن الليبي، فزاد حصاده بالتضخم وإرتفاع الأسعار، وحكومته الوطنية تحمي زاده هذا، كي تزداد ناره، فالخبز بالغلاء والكي أيضا.

هذا الحاصل ما نجني والعالم الآن، طبعا الفاعل منه الأوروأميريكي خاصة، بحاجة أكثر شدة وإلحاح للمزيد، من الاستكشافات من الغاز والبترول. ما يقال أننا قاعدون، في الصحراء الليبية الكبرى، وعلى الشاطيء الأكبر من المتوسط، على بحار منه وعلى محيطات غاز، غير ما نحرق.

نعم قاعدون على الخير، ناهضون منه بالشر، المتمثل في الانقسام والاقتتال، فيما لو ذهب شرنا، إلى المزيد من الاستكشافات، ومنح رخص الاستثمار بذلك للشركات العالمية المختصة، فما يعود علينا الكثير الكثير. ما يملأ كل الجيوب، ويشبع كل نهم، فيكون الاستثمار الآن الآن وليس غدا، السبيل للخروج من البئر الغميق ما وقعنا فيه. فلا نكون بحاجة لإغلاق آبار البترول، إحراق الغاز، إغلاق المطارات في داخل البلاد، وفي وجه الإنسان، من نزعم أننا أتينا لخيره وصغاره.

إن التفاؤل الساذج مثلما: صرخة يأس وتذمر، ما انتشرت: أحرقوا آبار البترول، لكن ما أشرنا إليه، حقائق دامغة تقدم بها العارف منا. ويمكن التوكد من ذلك، بخبراء لن يأتوا إليكم زرافات، بل يحجمون عنكم، وعمن يتكالبون، على سرقة النور ومحطات الكهرباء. نعم التوكد من ذلك أسهل، وفعل ذلك أبسط، مما تشيعون، من حلول الجزرة المغروسة بالعصا، المربوطة برقبة ليبيا.