Atwasat

حول ماهية الأسطورة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 20 مارس 2022, 02:21 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

لعل أولى الأعمال الشعرية التي أنتجها الإنسان القديم، هي الأسطورة. فالأسطورة تعبر عن رؤية ذاك الإنسان إلى الكون وتصوره لعلاقته به.

إذ هي تتحدث عن خلق الكون (= التكوين) ومفرداته والآلهة واختصاصاتها وصراعاتها وعلاقتها بالإنسان، ومصير الإنسان ولغز الحياة والموت وعالم ما بعد الموت... أي، إجمالا بالماورائيات.

وبهذا الاعتبار، فالأسطورة دين، أو أدب ديني، وليست أدبا بالمعنى الذي نتداوله حاليا. وكانت الأسطورة، باعتبارها أعمالا دينية معتقدية مقدسة، تحاط بجملة من الطقوس والشروط، من ضمنها أنها لا تتلى خارج المعابد أو بحضور النساء والأطفال.

هي إذن تفكيرُ، أو فكرُ، الإنسان القديم ما قبل الفلسفة اتخذ طابعا خياليا. فلقد كان الخيال الأداة التي اخترعها الإنسان للتكيف مع محيطه الطبيعي والاجتماعي أيضا، وحتى السيطرة عليه.

وتختلف الأسطورة عن الخرافة. فعلى حين أن الأولى يكون أبطالها آلهة أو أنصاف آلهة( وحتى إذا ظهر فيها بشر فلا يلعبون سوى دور تكميلي) وتؤكد معتقدات دينية، تمتليء الثانية بالبشر العاديين والأبطال والحكام والجن والأغوال والشياطين، وتنطوي على أبعاد أخلاقية وتربوية من خلال ما تجسده من نماذج بشرية. زمن الأسطورة زمن مقدس، على حين تجري أحداث الخرافة وما في حكمها، مثل الحكاية الشعبية، في زمن دنيوي.

وعليه، تخاطب الأسطورة المؤمنين وترسخ هذا الإيمان، وتسهم في تلاحم المجموعة البشرية المعينة التي تنبثق منها. أما الخرافة فتتوفر على عبر وعظات وأمثولات، وتستهدف، من خلال أدوات جمالية، الإمتاع والمؤانسة.

*
وقع خروج الإنسان من حدود الأسطورة في اليونان القديمة بظهور الفلسفة. إلا أن هذه الأخيرة ظلت تحمل آثارا من الأولى. أبرز هذه الآثار كان في المواضيع التي توجه إليها اهتمام كليهما.

فكلاهما اهتمت بالتكوين (أي أصل الكون وعناصر تكونه). وافترقت الفلسفة عن الأسطورة في أنه على حين كانت الأسطورة تعزو الخلق والتكوين إلى فعل الآلهة، عزته الفلسفة إلى العمليات الطبيعية الجارية بين عناصر تكوينه.

فلدى طاليس (627- 546 ق. م)، الذي يعد أول الفلاسفة المعروفين، أصل تكون الكون هو عنصر الماء.

ولدى أنكسيمندريس (610- 545 ق. م)، أصل الكون عنصر أسماه الأبيرون، أي اللانهائي، الذي تختلط فيه الأضداد وتتمازج، مثل الحار والبارد والرطب والياابس، وهو عنصر سرمدي. أما لدى أنكسيمانس (585- 528 ق. م)، فأصل الكون هو عنصر الهواء، الذي يماثل عنصر الأبيرون لدى أنكسيمندريس في مسألة التفاعل والتمازج.

نكتفي، لأغراض هذا المقال، بهذا القدر من آراء الفلاسفة الطبيعيين الأوائل في الفلسفة اليونانية، للتمثيل على افتراقها عن الأسطورة، القائمة على التفكير العاطفي والخيالي، بحيث أخذت تقام على التأملات والتصورات العقلية.