Atwasat

أفريقيا في قلب الصدمة العسكرية في أوكرانيا

علي الدلالي الأحد 13 مارس 2022, 03:08 مساء
علي الدلالي

بدأت الحرب الروسية في أوكرانيا التي تدخل أسبوعها الثالث، فعليا، قبل أكثر من 10 سنوات عندما نصب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الصواريخ الأمريكية قصيرة ومتوسطة المدى في دول شرق أوروبا الاشتراكية السابقة الملتحقة بحلف شمال الأطلسي العسكري (ناتو)، وتأكدت هذه الحرب عند ضم روسيا شبه جزيرة القرم، ثم في مارس 2019 عند إحياء الذكرى الـ 20 لانضمام بولندا إلى (الناتو)، بولندا حيث يتمركز 5000 جندي أمريكي، وكان أزيز طائراتهم ودوي تفجير قنابلهم وصواريخهم في المناورات التي أقيمت بهذه المناسبة، يتردد صداه فوق قبب "الكرملين"، وفي أروقته وسراديبه وغرفه السرية.

راقب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضابط المخابرات السابق ورجل الدولة والسياسي، الذي تخرج من أكاديمية المخابرات برتبة ملازم، وعمل في المخابرات "السوفييتية"، ثم شغل منصب مدير جهاز الأمن الروسي في عهد الرئيس بوريس يلتسين، قبل أن يتحصل على شهادته الجامعية في علوم الاقتصاد من جامعة سانت بطرسبرغ ويشق طريقه إلى منصب رئيس الوزراء، ويتربع بعد ذلك على عرش الرئاسة، تمدد حلف الناتو وكافة التحركات العسكرية الأمريكية على حدود روسيا بصبر وبعيون لا تخطيء الهدف لكن بحذر شديد في انتظار أن تقف بلاده على أقدامها من جديد.

إن الحرب الحالية في أوكرانيا هي في الواقع حرب بين الولايات المتحدة وروسيا تمهيدا للحرب الكبرى التي تتطلب معجزة من السماء ليتجنبها العالم الذي نعيش فيه.

كانت أمريكا على أهبة الاستعداد للحرب في أوكرانيا منذ سنوات، والدليل الكم الهائل من الأسلحة الأمريكية الفتاكة التي ظهرت بين أيدي الجيش الأوكراني لإعاقة تقدم الجيش الروسي قدر الإمكان واستنزافه، وحزم العقوبات الاقتصادية الموجعة والمعدة سلفا، ناهيك عن العقوبات النفسية غير المسبوقة التي طالت الرياضة والفنون والآداب والموسيقى وحتى المأكولات، لشيطنة روسيا.

لا شك أن العالم قبل حرب أوكرانيا لن يكون هو نفسه بعدها. فروسيا بوتين تقوم بترسيم حدود جديدة ستؤدي إن آجلا أم عاجلا إلى خلخلة عالم القطب الواحد، ومن هنا أفتح نافذة فيما يتعلق بالقارة الأفريقية التي نعيش فيها، القارة التي كانت ضحية ترسيم الحدود فيما عُرف بـ "مؤتمر برلين" (1884 – 1885) الذي جرى فيه تقطيع أوصال القارة بين القوى الاستعمارية الإمبريالية وقتذاك دون حضور أي ممثل للأفارقة، ما أدى إلى تمزيق القبائل الأفريقية بل وتمزيق القبيلة الأفريقية الواحدة بين عدة دول لتأتي بعد ذلك الوثيقة المخزنة في ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) عام 1963، القائلة بـ "احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار"!!! فكم ستصمد هذه الوثيقة إذا أضحى مسعى إعادة ترسيم الحدود الذي تسلكه روسيا اليوم سابقة في القانون الدولي؟

وعلى الرغم من بعد الحدود الأفريقية آلاف الأميال عن الحرب في أوكرانيا إلا أن القارة الأفريقية تجد نفسها في قلب هذه الصدمة العسكرية وتبعاتها الاقتصادية الخانقة والخطيرة وتداعياتها الدبلوماسية والجيوسياسية.

تنقسم مواقف الدول الأفريقية إزاء هذه الحرب إلى ثلاث فئات، دول تعارض هذه الحرب، وهي الدول الواقعة في دائرة النفوذ الغربي (الأكثرية)، ودول تؤيد روسيا، وهي أقلية، ودول تقول إنها تقف على الحياد.

إن العالم الذي بدأ يتعافى بصعوبة من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المدمرة لجائحة كوفيد - 19، يغوص اليوم، وهو لا يزال ملقى على الأرض، في رمال متحركة بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا والذي لا يعرف أي أحد إلى أين سينتهي.

لكن سؤاله الأخطر الذي يتردد في خوف في عواصم "القارة العجوز" يقول: هل ستكون حدوده أوكرانيا، خاصة وأن الحديث عن السلاح النووي والحرب العالمية الثالثة بدأ يطفو فوق صفحات الجرائد وعلى الفضائيات وعلى لسان كبار المحللين عبر العالم، ويثير الرعب والفزع في قلوب العارفين بنتائج الصدام النووي في عالم تسعى فيه قوة عظمى على رأسها رئيس يفقد الذاكرة في اليوم عدة مرات، بحسب بعض التقارير، لتكريس هيمنة القطب الواحد، وقوة فائقة التسلح النووي على رأسها رئيس، يهيمن عليه العناد، يسعى إلى إعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية المفككة ووضع حد لتهميش بلاده وهيمنة القطب الواحد.

الدول الأفريقية تجد نفسها اليوم في قلب هذه المخاطر، على المستوى الاقتصادي والأمن الغذائي تحديدا، لأن أي صدام نووي يعني ببساطة فناء الحياة فوق الكوكب الأزرق الجميل.

لقد غير الاستعمار نمط عيش الشعوب الأفريقية بحيث أصبح الإفريقي يأكل ما لا ينتجه. وبالفعل - نظرا لضعف النظم الزراعية في أفريقيا وعدم اكتراث القادة الأفارقة بالأمن الغذائي الإفريقي رغم توفر القارة على الأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة وعلى المخزونات المائية الجارية والجوفية الهائلة والأنهار العملاقة منها نهر الكونغو، ثاني أكبر الأنهار غزارة في العالم، الذي يفوق فيه متوسط قوة تدفق المياه 40 ألف متر مكعب في الثانية وتمتد مياهه العذبة في المحيط الأطلسي عند نقطة المصب لمسافة 30 كلم، وبقاء مشاريع السوق الزراعية المشتركة ومقررات مؤتمر الأمن الغذائي للقارة الذي انعقد في لوساكا عام 2001 حبرا على ورق، ناهيك عن تدمير مخزون البذور المحلية في معظم الدول الأفريقية ومنها ليبيا، وحلول البذور المعدلة جينيا التي لا تنتج إلا مرة واحدة- تستورد دول القارة اليوم 30 في المائة على الأقل من استهلاكها للقمح من أوكرانيا وروسيا، ما يعني أن الكثير من الشعوب الأفريقية مهددة بالجوع إذا استمرت هذه الحرب وتوسعت دائرتها.

كان المواطن السنغالي قبل الاستعمار، على سبيل المثال، يأكل ما يُنتجه، الدخن والذرة الرفيعة والذرة، إلا أن الاستعمار الفرنسي غير ثقافة الغذاء التقليدي وأدخل عن طريق شركاته الاحتكارية إلى السنغال الأرز من مستعمراته في جنوب شرق آسيا، خاصة من فيتنام، والقمح، فأصبح السنغالي يأكل رغيف الخبز عند الصباح والأرز المستورد بكميات كبيرة بمعدل ثلاث وجبات في اليوم وأهمل زراعة الحبوب المستوطنة في أرضه منذ آلاف السنين.

علاوة على الحبوب، تضطر معظم الدول الأفريقية التي طورت إلى حد ما نظمها الزراعية إلى استيراد الأسمدة، خاصة الفوسفاط واليوريا من الخارج، وتأتي أوكرانيا على رأس الدول التي تورد الأسمدة إلى القارة الأفريقية، ما يوسع دائرة المخاطر المباشرة للحرب الأوكرانية على القارة السمراء.

سيظل الأمل موجودا استئناسا بمقولة كارل ماركس "في كل أزمة تُوجد فرصة"، وفرصة القادة الأفارقة اليوم تكمن في العودة إلى روح مؤتمر باندونغ، النواة الأولى لنشأة حركة عدم الانحياز، ثم النظر بمسؤولية وجدية إلى الأمن الغذائي لشعوبهم، والخروج من دوائر الهيمنة للاستعمار الجديد "للعقول والبطون"، واستغلال موارد القارة التي تتوفر على كل شيء، الأراضي الصالحة للزراعة والمياه والطاقة والعقول والموارد البشرية، حيث تُعد أفريقيا أكثر القارات شبابا (65 في المائة من ساكنة القارة، حوالي مليار نسمة اليوم، دون الـ 25 عاما).

إن أي تفكير خارج تطوير القطاع الزراعي في أفريقيا لجذب الشباب وحل مشاكل الفقر وسوء التغذية والبطالة سيعرض القارة إلى مخاطر جمة لن يكون آخرها تفشي المجاعة نتيجة الحرب في أوكرانيا بل سيُدخل القارة في متاهة الانقلابات العسكرية التي بدأت تضرب بعض دول منطقة الساحل وغرب أفريقيا وسيدفع آلاف الشباب السائرين في طرق الضياع، رغم أن بلدانهم تسبح على بحيرات من المياه العذبة والنفط والغاز والطاقات النظيفة الجديدة والمتجددة، إلى الارتماء في أحضان التطرف وداعش، البديل المتربص.