Atwasat

وهم شعار التوافق.

رافد علي الخميس 10 مارس 2022, 12:13 مساء
رافد علي

أمام التطورات السياسة الأخيرة فى ليبيا بسبب تجاذبات برلمان طبرق من جهة، والمجلس الأعلى للدولة من جهة ثانية، وبروز شبح ازدواج الحكومات، تدخل البلاد مجدداً مرحلة جديدة من عدم التوافق السياسي الذي يعد عاملاً من عوامل حالة تأزم الاستقرار.

فالدوامة الجديدة التى نخوضها الآن تجعل من البلاد رهينة "إبقاء الوضع كما هو عليه" من فوضى وتضارب وعناد، ومرحلة محكومة بذات الوجوه و"القوة القاهرة".

السيدة وليامز بعد صدور خارطة طريق برلمان طبرق، التي تضع الخطة الأممية لليبيا جانباً، تحاول العودة للمشهد بثقلها كمستشارة عبر اقتراح تسمية ستة ممثلين عن مجلسي البرلمان والدولة بالبلاد، بعد أن سقط اتفاقهما السياسي الذي وصف فى الشهر المنصرم بـ "الاتفاق التاريخي"، وقد جاء الدعم الغربي لتحركات وليامز فى البيان المشترك لسفارات الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمانيا فى طرابلس بقصد "إرساء أساس دستوري توافقي من شأنه ان يؤدي إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فى أسرع وقت".

الدوامة الليبية الحالية تبرز هنا فى عودة سيادة حالة عدم التوافق، تلك الروح التي تعد عقبة أساسية سياسياً، مقابل كل التشتت على الأرض من وجود مليشيات ومرتزقة لازالت مرابطة بالبلاد. روح العناد بين الساسة تبدو واضحة، أكثر من كونها مواقف سياسية متشددة متمثلة فى رفض الدبيبة التنحي لصالح حكومة باشاغا، ومتجلية كذلك في تصريحات عقيلة صالح الأخيرة الذي اعتبر فيها أن قرارات برلمان طبرق "غير قابلة للتصديق من أي جهة" ، فى حين يتأخر موقفه بالقبول الصريح بمقترحات مجلس الستة ممثلين، وأيضاً يتضح فى غموض مصدر قرار إيقاف الرحلات الجوية الداخلية.

المدهش أمام هول الدوامة اللامتناهية بالأزمات في البلاد أن الجميع فيها يرفع شعار التوافق الليبي-الليبي، وكأن ذاك التوافق قد تم فعلاً بما يتضمنه من تنازلات حقيقية وقاسية ومؤلمة أيضاً. فالتوافق الليبي-الليبي في كل أطواره لازال شعاراً منقوصاً، لأنه يظل محشوراً فى لعبة سياسية مفاتيحها أساساً ليست بيد الليبيين أنفسهم، فكل التوافقات السياسية التي شهدناها تبدو عليها حالة التوقيت قصير العمر بسبب تبدل المواقف ضمن الظاهر في المشهد الدولي للأطراف الفاعلة فى الأزمة الليبية. فالتوافق المصري- التركي على حكومة الدبيبة سرعان ما انهار بفضيحة تسريبات محادثات لقاءات الدبيبة في القاهرة، مما أزم وضعه السياسي الحالي إذ سُحبت الثقة من حكومته، في حين يعلن المنفي، رئيس مجلس الدولة، المقرب من حفتر، أنه "يقف على مسافة واحدة من الرجلين" حتى قبل تطمينات الدبيبة وباشاغا بشأن حرصهما على عدم التصعيد، وعدم الرغبة في الصدام، وهذا يبيّن أن اتفاق وقف إطلاق النار، المتفق عليه في اكتوبر 2020 ما يزال صامداً وبمراقبة 60 مراقبا دوليا.

فالتوافق الليبي- الليبي منذ بروزه كشعار سياسي فى الازمة الليبية ظل موصوفاً دائماً بـ "الهش"، وذلك لأنه أولاً توافق غير مدعوم بضغط شعبي حقيقي في الشارع، فهو يظل توافقا سياسيا محضا، لم يسجل للشارع الليبي وجواد حقيقي فيه، فالمرجعيات التي كانت تناقش وتفاوض بقيت دائما كتلا ورموزا معينة ومحدودة، أو أخرى تتحرك خارج إطارها الزمني المنتهي. وثانياً لأن جذور الصراع والخلافات الليبية لم تتم معالجتها بشكل جذري على مدى عمر البلاد ذاتها، كالجهويات المتجلية دائماً، والقبليات البارزة بشكل ملحوظ، ولسوء توزيع الثروة النفطية كما هو واضح في الحركات الأهلية التي تغلق الإمداد النفطي، وخطابهم المثير بما يتضمنه من حالة تلاشي مفهوم "وطن" في الوجدان، بسبب حالة الضنك وانعدام العدالة والفراغ الأمني. وثالثاً لأن اللاعبين الخارجيين في المشهد الليبي لم يتخلوا، رغم كل التوافقات السياسية المبرمة، عن علاقاتهم السياسية والاقتصادية والدفاعية، التي أقاموها في ليبيا مع عناصر سياسية ومليشيات طول هذه السنوات الصعبة. فالدول المنخرطة في النفق الليبي المظلم، تلتمس السبل لتحقيق تأثير خارجي لها ضمن المشهد الليبي كما تشير آنال جاكوبس بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن.

الدوامة الليبية المستمرة، والتي تتجدد فيها الانتكاسات السياسية التي تتوافق لبرهة، وتختلف على عجل أمام أبسط المستجدات والمتغيرات بتبعاتها الثقيلة على الحياة وخطورتها على وحدة الأرض، قبل الحديث على اللحمة الوطنية لشعب مشتت ضمن تقلبات ساسة الداخل، يبقى الأمر المثير للاستعجاب هو غياب مشروع وطني مستقل وحر، يخاطب الشارع الغائب والمغيب، رغم أنه هو القابع في هذه الدوامة اللامتناهية بتوتراتها وأزماتها. ويأتي هذا رغم أن التوافق السياسي الليبي على اختيار الدبيبة على رأس حكومة موحدة قد أوضح أن أطراف الأزمة الليبية اتفقوا على التنافس على الوصول للأموال الليبية ضمن حكومة موحدة، وبتجنيب خلافات جوهرية عويصة جانباً، كما يشير الأكاديمي ولفرام لاتشر بالمعهد الألماني للسياسة الدولية.

التوافق الليبي- الليبي فى غياب شفافية حقيقية سيظل شعاراً فضفاضاً وحسب، فى ظل غياب عزائم ساسة وإرادة شعب، للعبور ببلادهم إلى بر الأمان، غير مكترثين بصعوبة وألم التنازلات المطلوبة لتحقيق تسوية تاريخية فعلية، تبني ليبيا حديثة، غير عليلة بما نراها ونحسه بلا مخاتلات.