Atwasat

تحالف المال اليهودي مع النازية المعدلة

سالم العوكلي الثلاثاء 08 مارس 2022, 11:43 صباحا
سالم العوكلي

في أحداث درنة فترة سيطرة الجماعات الإرهابية، نصب أحد المتطرفين مدفع ميم طاء فوق سطح بيته، فتفاوض معه الجيران لأنه يشكل خطرا عليهم، وحين أصر اقتحموا البيت وطردوه منه وأزالوا السلاح من فوقه. تهديد الأمن سواء أكان منزليا أو قوميا لا يمكن إلا أن يفضي إلى اشتباك. ولعل هذه الحادثة الجزئية الصغيرة تصلح لتكون مدخلا أخلاقيا لما يحدث بين روسيا وأوكرانيا.

في محاولة للمساومة على تعويضات مقابل انفتاح أوكرانيا على السوق الأوربية، قام الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكيفيتش بتأجيل توقيعه على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي، وعوضا على أن يحصل على التعويضات، حصل يانو كيفيتش على انقلاب أطاح به عبر المسلحين النازيين مدعومين من دوائر غربية هدفها الرئيس تقويض روسيا كقوة عائدة والتفرغ للعدو الأول، الصين.

والتعبير عن السلطة الحاكمة في أوكرانيا بالنازية ليس مبالغة أو مجرد تشبيه، لكن تشمل هذه السلطة قوى يمينية متطرفة ومسلحة تتخذ بعض فصائلها الصليبَ المعقوف شعارا لها، أو كما يقول المحلل السياسي ألكسندر نازاروف "ليست تلك استعارة بلاغية، ولا يدور الحديث هنا عن (اليمين المتطرف) فحسب، وإنما عن النازيين الحقيقيين، عن مؤيدي التفوق العنصري للعرق الأبيض، الذين يتّخذون من مجرمي الحرب النازيين في الحرب العالمية الثانية المسؤولين عن الإبادة الجماعية لمئات الآلاف من الأشخاص، أصناماً يعبدونها.

الآن يتم تسمية الشوارع في أوكرانيا بأسمائهم. تخيّل معي، على سبيل المثال، ملعب هتلر في برلين. هذا تحديداً ما يحدث في أوكرانيا، هناك ملعب يحمل اسم المجرم النازي شوخيفيتش ... وبعد الحرب العالمية الثانية، وجد كثير من هؤلاء الأوكرانيين، المتعاونين مع ألمانيا النازية، ملاذاً لهم في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ويشارك أحفادهم (مثل وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند) بنشاط في تحديد سياسة هذه البلدان تجاه أوكرانيا."

بعد انقلاب 2014 اتخذ النظام إجراءات إقصائية متطرفة لمكونات أساسية من مجتمع الدولة الأوكرانية، فألغى القانون الذي يسمح باستعمال اللغة الروسية في المناطق ذات الأغلبية الناطقة بها، خصوصا في الشرق والجنوب، ما أدى إلى خروج مظاهرات حاشدة رافضة لإلغاء القانون، واستطاعت كتائب اليمين المتطرف قمع هذه المظاهرات بقوة في عديد المناطق ماعدا في دونسيتسك ولوغانسك، اللتين تتوفر لديهما جماعات مقاومة مسلحة لتخوض اشتباكات مع كتائب اليمين التي تلقت تدريبات عن طريق عسكريين أمريكيين وكندييين. وارتكبت هذه الكتائب التي توصف في الجمهوريتين اللتين اعترفت بهما روسيا آخرين بالتشكيلات النازية الإرهابية جرائم ضد الإنسانية، ما جعل محكمة الجنايات الدولية في إطار تحقيقاتها تبدأ منها وصولا إلى الحرب القائمة الآن.

تتحدث الكثير من التقارير المقاومِة لموجة الحث على الكراهية العارمة التي تجتاح ميديا العالم، عن العلاقات الوثيقة بين الشعبين الروسي والأوكراني، ليس في ما يخص الثقافة والوجدان المشترك ولكن على مستوى القرابة والمصاهرة، لكن ما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانفصال أوكرانيا تحركتْ الخلايا القومية المتطرفة وتحولت إلى أوليغارشات تحكم مناطقها المختلفة، وعبر مفارقة تاريخية غريبة يتحالف اللوبي اليهودي من رجل الأعمال مع التيار اليميني الموصوف بالنازي من أجل التحكم في مفاصل الدولة، وإذ يحاول البعض تفنيد هذا التحالف االغريب باعتبار الكراهية بين اليهود والنازية، إلا أن مثل هذا التواطؤ حدث عبر التاريخ ويحدث، وكثيرا ما تتبنى الضحية أساليب جلادها حين تتاح لها فرصة أن تكون جلادا يوما ما ــ وما يحدث في فلسطين المحتلة ــ يثبت ذلك.

وجعل الهوس باستقلال هذه الأوليجارشات تماما عن روسيا يعمل على تصفية كل العلاقات التاريخية معها، وكان خطابهم القومي المتطرف هو الذخيرة الأيديولوجية لهذا النزوع، ووجدت الولايات المتحدة وحليفها الأوربي مصالحها الكبرى في هذا التيار الذي دعمت انقلابه للاستيلاء على السلطة، والذي سيشكل مجالا لحرب استنزاف تتورط فيها روسيا لكي تُفرض عليها عقوبات شاملة من أجل تدميرها من الداخل، والساسة الروس الذين يعرفون جيدا أن هذا كمين منصوب لهم، حاولوا تفاديه طيلة 8 سنوات عبر الدبلوماسية، ولكن أحيانا تُضطر لأن تدخل الكمين بإراداتك حين لا مناص من ذلك، وحين يكون منصوبا في الكوة الوحيدة التي من الممكن أن تخرج منها، ولا بديل سوى أن تجهز نفسك لتقليل مدى الأضرار حين يصبح الأمر مسألة وجودية.

حكم أوكرانيا منذ استقلالها ساسة قوميون دغدغوا وجدان الأغلبية الأوكرانية، لكن لم يكونوا نازيين، وحافظوا على شعرة معاوية مع الجارة روسيا، ولكن بعد عام 2014 العام الحقيقي لبداية الحرب، حدث التحالف العجيب بين النازييين الذين وصلوا إلى السلطة ورجال النفوذ المالي اليهودي، وأبرزهم مؤسس أكبر مجموعة صناعية إيغور كولومويسكي، واستغل حاجة الحكام الجدد لقوة عسكرية تلبي طموحاتهم، فبدأ بتأسيس وتمويل الكتائب المسلحة النازية لتتحول هذه الميليشيات ــ كما في دول عديدة جيوشها ضعيفة ــ إلى القوة المركزية للتيار الحاكم، وهي الميليشيات التي يلتحق بها الآن المتطوعون النازيون من دول عديدة، بداية من ألمانيا التي أقرت بهذه الحقيقية، وصولا إلى السنغال التي استدعت السفير الأوكراني احتجاجا على عمليات التجنيد الكثيف لمتطوعين من داخل السنغال عبر إغرائهم بالمال.

أرتكبت هذه الميليشيات فظائع تشمل اعتقالات وتعذيب وتصفية للمعارضين، وأحرقوا عشرات من معارضي النظام غير المسلحين في أوديسا بعد أن أضرموا النار في المبنى المتحصنين به.

ومع تلوث هذا الاسم بما ارتكبه مسلحوه من جرائم إبادة تراجع كولومويسكي إلى الخلف، وظهر أوليجارشي جديد هو الملياردير بورشينكو المسمى (ملك الشوكولاتة) ليصبح رئيسا للبلاد، ومستعينا بأوليغارشي حليف، أرسين أفاكوف، أزاح كولومويسكي وسيطر على كتائبه النازية بدعم أمريكي معلن، وتولى في حكومة انقلاب 2014 منصب وزير الداخلية ليدمج هذه الميليشيات في وزارته ويبدأ في تمويلها من خزانة الدولة، ومن خلف الستار دَعَمَ الملياردير كولومويسكي ترشيح المهرج اليهودي فلاديمير زيلينسكي، الشاب التلفزيوني القادم من خارج الأوليجارشات الفاسدة، ووعد الكوميدي المحبوب الناخبين بتحقيق السلام مع روسيا ووقْفِ الحرب واحترام المواطنين من أصل روسي، وتمكن من النجاح في الانتخابات بفضل تصويت احتجاجي دعمه فيه سكان الجنوب والشرق بناءً على وعوده المطَمْئنة.

لكن ما يضمره كخلية يمينية نائمة كان عكس برنامجه الانتخابي، فبمجرد وصوله إلى السلطة تحالف مع النازيين، ووقّع قانونا يمنع استخدام اللغة الروسية حتى في الإدارة ومجال الخدمات وفي المتاجر، وأغلق خمس قنوات تلفزيونية للمعارضة، مستعينا في إجراءاته بنازيين في جهاز الاستخبارات بعيدا عن النازيين المشبوهين المدمجين في وزارة الداخلية.

وفي مجملها تسيطر هذه الميليشيات الأقوى بكثير من الجيش على القرار السياسي وعلى مراكز المال وعلى كل المؤسسات الصناعية الكبرى التي تمت خصخصتها، وهي التي يصلها السلاح الأمريكي والأوربي الفتاك حاليا، كما نقلت أمريكا 16 مختبرا للبحوث البيولوجية والجرثومية إلى أوكرانيا، وأمريكا تملأ أوكرانيا بأسلحة الدمار الشامل التي بحجتها الكاذبة غزت واحتلت العراق.

ورغم مخاطبة بوتين للجيش الأوكراني كي يستولي على السلطة ويتخلص من النازيين الذين يختطفون أوكرانيا، إلا أنه يدرك أن الجيش أضعف من هذه الكتائب وتركز حملته العسكرية الآن على إزاحة هذه الأوليجارشات من المشهد السياسي والميداني، ومن ثم العمل على أن تستلم الحكم سلطة جديدة موالية لروسيا، أو على الأقل تنحو بأوكرانيا صوب الحياد، خصوصا وهو يعرف مدى اضمحلال شعبية القوميين الذين يقودونها الآن إلى مصير مجهول بعد الفساد الذي نخر مؤسسات الدولة، وبعد أن ورطتهم أمريكا في حرب ما كان لها أن تقع لولا هذه الخلطة السامة من الأيديولوجيا القومية المتطرفة ورجال المال والميليشيات، وهي خلطة ليست خطيرة على جارتها روسيا فقط ولكن على مصير أوكرانيا نفسها.

يقول ألكسندر نازاروف في مقالة نشرها قبل عام في موقع قناة آر تي: "في سياق هذا الصراع، قد تتلاشى أوكرانيا من الوجود. لا لأن روسيا ستحتلها، فلا الولايات المتحدة الأمريكية ولا روسيا تستطيعان تحمّل مصروفات أكثر من 30 مليون من السكان الباقين في أوكرانيا.

لكن النظام النازي في بلد مثل أوكرانيا، متعدد القوميات ومنقسم على ذاته، سيدمّر هذه الدولة من داخلها.

 النازيون لا يقاتلون من أجل عودة السكان الناطقين بالروسية إلى أوكرانيا، وإنما يريدون تطهير الأراضي من هؤلاء السكان، وبالتالي سيخسرون في كل مرة في الحرب الأهلية، حتى يتم تقليص أوكرانيا إلى عدة مناطق في غرب البلاد، تكون فيه الحاضنة الشعبية للسكان أكثر تقبّلاً للأفكار النازية. أوكرانيا دولة فاشلة بالفعل، لكنها تقف أمام قدر التفكك أكثر، والتحول إلى منطقة تعجّ بالفوضى. ولكن الفرق، أنه باستثناء روسيا، لن يكون هناك من يحزن على أوكرانيا.".

الحرب قذرة، لكن ما تفضي إليها قذارات يمارسها الساسة الذين غالبا لا تطالهم ويلاتها، أو كما قال فولتير: "إن الحرب تأتي إلينا من مخيلات ثلاثمائة أو أربعمائة شخص مبعثرين على وجه هذه الأرض يسمون أنفسهم أمراء أو وزراء."