Atwasat

كسب ليبيا

نورالدين خليفة النمر الأحد 06 مارس 2022, 12:15 مساء
نورالدين خليفة النمر

من يتتبع التواريخ بدءاً من يوم 24 فبراير غزو روسيا لأوكرانيا يلحظ أنه سبقه بتاريخ 23 فبراير اتصال بين وزير الخارجية الروسي ونظيره الإماراتي، ولحقه 26 فبراير إعلان الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، بأن وزير الخارجية الإماراتي سيزور روسيا في الأيام القريبة القادمة لمناقشة جملة من القضايا الشرق أوسطية أبرزها الملف الليبي مع نظيره الروسي.

المسعى الخليجي ممثلاً في الإمارات التي اصطفت مع روسيا لدعم مُسمى قائد الجيش الليبي متوجاً بعدوانه 20 ـ 2021 على العاصمة طرابلس. ربما ستلحقه مساع تالية من بلدان عربية شرق أوسطية، سيتضح لها على نحو متزايد فداحة العدوان الروسي ليس على أوكرانيا فحسب، وإنما على النظام الأمني الدولي لوقت طويل الأمد، وهو ما يشكل ضغطاً على موقفها المتحوط السنوات الماضية من الانحياز إلى الولايات المتحدة إزاء روسيا والصين.

وقد يبدو أن بعض مواقف التحوط لا تزال مترددة في التوحد حيال موسكو من بعض عواصم الشرق الأوسط، لكن المخاطر التي تهدد العالم بأسره تضعها ـ كما كتب المسؤول في الخارجية الأمريكية جيمس جيفري ـ في حالة من التيه الشديد. وبالتالي، إذا حافظت الولايات المتحدة على سياساتها الذكية حتى الآن، التي تجعل روسيا تدفع تكاليف اقتصادية ودبلوماسية لعدوانها، سوف تصطف الدول الإقليمية الشرق أوسطية وراء واشنطن في نهاية المطاف.

وحتى دلك الوقت ستظل القضية الليبية والمسائل الأخرى مهمة وزير الخارجية الروسي للمساومة، الذي لم يظهر في المشهد الحربي الروسي في أوكرانيا باعتبار أن السياسة والدبلوماسية لا دور لهما حتى يتم اكتمال المشروع العسكري للغزو.

نرجع إلى تاريخ ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية، حتى نفهم ما فعلته روسيا بشكل سافر في جلسات مجلس الأمن السنوات القليلة الماضية بخصوص القضية الليبية وفي المؤتمرات المتعلقة بحل المشكلة الليبية. وما اقترفته من تجاوزات في حقوق السيادة الليبية عبر وكيلتها مرتزقة فاغنر شبه العسكرية. فكما هو معروف أن استقلال ليبيا عام 1951 تمت موضعته أمريكياً، لوراثة وجود بريطانيا، عبر العلاقة التاريخية مع الطريقة السنوسية بدايات القرن الـ 20 في المستعمرة الإيطالية السابقة.

لقد نالت أمريكا مكسب تدخلها الذي حسم في الحرب العالمية انتصار بريطانيا على النازية واستخدامه وسيلة لإبعاد مطامع الاتحاد السوفياتي عبر المستعمرة الإيطالية السابقة طرابلس عن البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا، واستخدام ليبيا عبر قاعدة ويلس العسكرية الأمريكية 1954، جيباً من جيوب الحرب الباردة لمصلحة المعسكر الغربي الدي تقوده الولايات المتحدة ضد المعسكر الشرقي الدي يقوده الاتحاد السوفياتي.

تمويل السد العالي شكل أزمة أولى بين الضباط المصرين الأحرار الذين انقلبوا على الملكية عام 1952، وبين أمريكا، الأزمة الثانية الدعم الأمريكي لإسرائيل فتكون القطيعة مع الولايات المتحدة فرصة للاتحاد السوفياتي أن يكون له في مصر موطيء قدم.

التوافق الأمريكي ـ السوفياتي في إفشال العدوان الثلاثي، إنجلترا فرنسا إسرئيل، بسبب تأميم قناة السويس، ثم بعده الضغط على فرنسا بتحرير الجزائر من استعمارها ألزمها بالخروج من إقليم فزان الليبي 26 ديسمبرعام 1956 الذي حررته من الاستعمار الإيطالي عام 1943؛ لتخسر الجزائر بتحررها عام 1962.

عدم احتياج أمريكا الماس للنفط الليبي، وانسداد الملكية الليبية إزاء التجاوب مع المتطلبات الأمريكية لاستيعاب احتجاجات وتذمر الأجيال الشابة في الشرق الأوسط وأفريقيا، أفسح المجال لانقلاب صغار الضباط الليبيين لإزاحة الملكية عام 1969. وقد اعتبر الانقلاب في ليبيا، مجازاً، أحد الردود للقومية الناصرية على هزيمتها أمام إسرائيل في حرب عام 1967.

الرئيس المصري عبدالناصر الذي ربطته وقت ذاك علاقة متميزة مع زعامة الاتحاد السوفياتي، كانت قد تسربت إليه معلومة استخبارية خاطئة بأن الانقلاب في ليبيا بقيادة رئيس الأركان في الجيش الملكي، ليفاجأ مندوبه للانقلابيين الصحفي محمد حسنين هيكل الذي سألهم عنه بأنه في السجن، وأن قيادة الانقلاب من صغار الضباط، فيربط الحدث في ذهنه بتحركات البوارج الحربية للأسطول السادس الأمريكي قبالة الساحل الليبي التي لمحها من نافدة الطائرة المصرية التي حطت به في مطار بنغازي.

القرار المصري بحرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، سبقه طرد الخبراء الروس، حتى يصطبغ قرار الحرب وتنفيذه بالإرادة المصرية، فيكون كسب الحرب توطئة لاتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية وتطبيع العلاقات بينهما. جبهة الصمود والتصدي بالقيادة الليبية ـ السورية تعوض خروج السوفييت من مصر، فسوريا تمنح الاتحاد السوفياتي قاعدة بحرية على الضفة الشرقية للمتوسط، مقابل دعمها بالسلاح والتدريب، وليبيا بشراء الأسلحة بالعملة الصعبة لتعويض روسيا عما أنفقته في دعم القضية العربية.

عكس سوريا، ظلت العلاقة السوفياتية بالنظام الثوري الليبي متحسبة للترتيبات السياسية الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية في جنوب أوروبا والبحر الأبيض المتوسط. وهنا نتفهم موقف الاتحاد السوفياتي المتفرج من خرق الطائرات الأمريكية الخط الذي مده مياهاً إقليمية النظام الليبي في خليج سرت مارس عام 1986 والغارة الأمريكية على العاصمة طرابلس أبريل 1986 رداً على تفجير عملاء مخابرات ليبيين مرقص ليلي في برلين.

وقبلهما موقفه من هزيمة النظام الليبي العسكرية المنكرة في تشاد 1986. رابعة الأثافي كان تصويت الاتحاد السوفياتي عام 1992 على عقوبات دولية في مجلس الأمن بخصوص تورط المخابرات الليبية في تفجير طائرة البان آميركان فوق قرية لوكربي الأسكوتلندية. هذا الموقف الروسي أشعل غضب دكتاتور ليبيا الساقط الذي رفض دفع مستحقات ليبية لروسيا مقابل مشتريات سلاح باهظة.

لقد وصف سفير روسيا السابق في طرابلس العلاقة مع النظام الليبي الساقط بالثورة الشعبية عام 2011، بأن دكتاتور ليبيا السابق ربما كان يتظاهر بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي حتى انهياره وبعده دولة روسيا الاتحادية حتى انهيار نظامه، ولكن دون تنفيذ أي شيء من اتفاقياته ليساوم بذلك الغرب.

خسرت روسيا النظام الدكتاتوري الليبي إزاء تدخل قوات دول حلف الناتو لإسقاطه عام 2011 بالامتناع فقط عن التصويت مكرهة بسبب مكسبها في سوريا. وعادت لاستعادة كسبها في ليبيا المنقسمة بين شرق وغرب بدعم مسمى قيادة الجيش الليبي بالمرتزقة الروس «فاغنر» وبالمواقف المتعنتة لمندوبها في مجلس الأمن إزاء الترتيبات الغربية تحت مظلة الأمم المتحدة.

السؤال، هل تكسب ليبيا نفسها بعد أن خسرت روسيا سمعتها الدولية معزولة باعتدائها على جارتها الضغيرة دولة أوكرانيا وابتلاعها.