Atwasat

هل سيقبل سيد الكرملين بنصر حدوده أوكرانيا ورأس زيلانسكي؟

علي الدلالي الأحد 27 فبراير 2022, 11:32 صباحا
علي الدلالي

أعادت الصواريخ الأولى التي أطلقها الجيش الروسي على مواقع عدة في عموم الأراضي الأوكرانية، في قلب أوروبا، فجر الخميس، إلى الأذهان في القارة العجوز، الصور المرعبة والصادمة للجثث وأنين الجرحى والدمار والحرائق وطوابير النازحين الفارين من جحيم الحرب قبل أكثر من سبعة عقود، تاريخ اشتعال الحرب العالمية الثانية. قبل الخميس، كان معظم القادة في أوروبا، وعلى رأسهم الفرنسي أمانويل ماكرون، يعولون على الحل الدبلوماسي مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين، الملاك القاتل كما تُطلق عليه بعض الصحف الغربية، ويستبعدون فكرة الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا، رغم أن الولايات المتحدة، الحليف التاريخي والتقليدي لأوروبا، والعدو اللدود لروسيا، كانت منذ اشتعال فتيل الأزمة تؤكد على أن غزو الجيش الروسي لأوكرانيا قد تقرر وسكن في رأس الرئيس بوتين، وذهبت إلى حد تحديد ساعته بـ "الدقيقة" مما يثير الكثير من التساؤلات.

بعد الضربات الصاروخية الأولى وقصف الطيران الحربي الروسي لمواقع عسكرية محددة بدقة مسبقا في أوكرانيا، منها مطارات ومحطات رادار ومنصات إطلاق صواريخ ومخازن أسلحة، وهي عمليات طالت بعض المواقع المدنية كأضرار جانبية، استفاق الجميع في أوروبا على أن الرئيس بوتين قرر تفعيل سياسته برسم حدود جديدة لأمن بلاده وكبح طموحات حلف شمال الأطلسي لتطويق الاتحاد الروسي.

لا شك أن بوتين السبعيني، الذي يتصدر المشهد في بلاده منذ أكثر من عقدين، احتفظ في ذاكرته الاستخباراتية بأوجاع كافة محطات الاستهزاء الغربية والأمريكية من بلاده عقب تفكيك الاتحاد السوفييتي، ومشاهد السخرية من الرئيس بوريس يلتسين تحديدا، لكنه كتم كل ذلك في صدره وانطلق في بناء الاقتصاد الروسي وتحديث ترسانته العسكرية بعد أن لعب على تبادل المواقع مع ديمتري ميدفيديف، وها هو اليوم يقف في وجه (الناتو) ليفرض عليه قواعد جديدة، ليس للأمن الأوروبي فحسب، وإنما للأمن الدولي بشكل أوسع، من منظوره الشخصي، واضعا بذلك، فيما يبدو، حدا لعالم القطب الواحد الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية.

في الوقت الذي بدأت فيه الدبابات والمدرعات الروسية اجتياح الأراضي الأوكرانية من عدة محاور، حرص جميع القادة الأوروبيين - بعد أن قطعوا الشك باليقين - والرئيس الأمريكي بايدن، على تجديد تصريحاتهم باستبعاد المواجهة العسكرية مع الجيش الروسي في أوكرانيا.

إلا أن بايدن حذر بأنه سيصب نيران الأسلحة الأمريكية على روسيا في حال اخترقت القوات الروسية ما أسماه بـ "سنتمتر واحد" من أراضي حلف (الناتو)، ويقصد بذلك دول أوروبا الشرقية السابقة التي انضمت للحلف بعد تفكيك حلف (وارسو) وانهيار الاتحاد السوفييتي، وأولها بولندا. ولم تجد دول الاتحاد الأوروبي ومعها الولايات المتحدة الأمريكية أمامها إلا فرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، قد لا يكون لها مفعول فوري، ولكن عواقبها ستكون وخيمة على المديين المتوسط والبعيد، بحسب الخبراء.

لكن هذه العقوبات لم تصل إلى حد منع روسيا من الولوج إلى نظام الدفع العالمي "سويفت" المصرفي الذي يصفه الخبراء بـ "السلاح النووي المالي"، ما يؤشر على أن الغرب يترك الباب مفتوحا لدفع بوتين إلى التوقف عند حدود أوكرانيا وعدم تجاوز الخطوط الحمراء، أي التمدد إلى دول عضو في "الناتو" ما يعني بداية حرب عالمية ثالثة، وهي عبارة بدأت تتردد في وسائل الإعلام الغربية وتجد صداها المرعب والمخيف في الشارع الأوروبي.

ورغم ذلك يواصل الرئيس الروسي فلادمير بوتين التصعيد وفق استراتيجية عسكرية وأمنية وسياسية ودبلوماسية محكمة ومعدة مسبقا، حيث أشعل شرارة الحرب في أوكرانيا التي قضى التاريخ أن تكون في طريق انبعاث الدب الروسي بعد أن تحنط عقودا طويلة تحت الثلوج المثقلة بالغاز. غير أنه لا أحد يستطيع اليوم تحديد أين سيقف بوتين بعد أن بدأ يملي شروطه القاضية بنزع سلاح أوكرانيا وتحييدها وتغيير حكومتها، بل ودعوة الجيش الأوكراني إلى الإطاحة بالحكومة الأوكرانية، ما يعني، ببساطة، القضاء على الرئيس فلوديمير زيلانسكي. وأمام حالة الشك، إن لم نقل الخوف من نوايا بوتين، بدأ حلف شمال الأطلسي نشر قوات في دول الحلف المتاخمة لأوكرانيا، ما أغرق القارة العجوز في حالة شبيهة بالأوقات العصيبة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وبدأ شبح الحرب يُخيم على معظم العواصم الأوروبية التي ظنت لعقود أنها تركت الحروب والدمار والدماء خلفها وانطلقت في مسارات التنمية الشاملة والعملاقة.

إن العالم يقف اليوم على شفير الهاوية ويعيش واقعا جديدا على المستويات العسكرية والاقتصادية والجيوسياسية، واقعا فرضه الرئيس بوتين على حلف شمال الأطلسي وعلى روسيا على حد سواء، ولا يمكنه أن يخرج منه إلا منتصرا.

والسؤال: هل سيقبل سيد الكرملين بنصر حدوده أوكرانيا ورأس زيلانسكي؟