Atwasat

الرشوة السياسية.. ورجالات النفق المظلم

رافد علي الخميس 24 فبراير 2022, 04:00 مساء
رافد علي

لازال السيد عبدالحميد الدبيبة يصر على بقائه بمنصبه رغم قرار برلمان طبرق عزل حكومته، فقد صرح الدبيبة أخيراً بأن حكومته بصدد طرح خارطة طريق سياسية للبلاد بشعار «عودة الأمانة للشعب»، تقود لعقد انتخابات رئاسية الصيف المقبل، تكون حكومتها «هي المخولة أن يسلم لها حقائب الحكومة الحالية» ، بما يشكل لا ازدواجية في الحكومات بالبلاد وحسب، بل من المحتمل تضارب «خرائط» الوصول للانتخابات التي لازالت مرتبكة، بسبب عدم توافق الأطراف حولها بشكل نهائي، وهذا من شأنه أن يرجح احتمالية احتكاك مباشر بين «قوات» باشاغا - الساعي لتشكيل حكومته - وقوات الدبيبة للوقوع، طالما أن الحكومتين المعنيتين للتمهيد للانتخابات متواجدتان بذات العاصمة، وهو ما يميز حالة الازدواجية الحالية للحكومتين في البلاد على غرار سابقاتهما.

المثير للأمر أن الدبيبة قد جاء، ولايزال، على رأس حكومة تكنوقراط لتسيير شؤون البلاد، إلا أنه ظل يمارس حملات رفع شعبيته كسياسي في الشارع، وكمرشح محتمل للرئاسة في الانتخابات المزمع عقدها منتصف هذا العام. فالانفاق الذي تقوم به حكومة الدبيبة على عدة أوجه، وعلى قطاعات مختلفة، من شأنه أن يزيد من قيمة الدين العام للدولة، فحكومة الدبيبة حكومة تمارس أعمالها بلا ميزانية مسماة. وقد ارتفعت نهاية العام المنصرم أصوات مختلفة تنبه إلى أن الدين العام للبلاد قد وصل إلى مستويات مقلقة، ولأسباب مختلفة، سماها الصديق الكبير في اكثر من مناسبة على مدى سنوات.

والدين العام في كلمات مبسطة هو المقدار المالي الذي تكون الدولة مدينة به لغيرها من أطراف، سواء كانوا أفراداً أو شركات، أو حتى مديونة لحكومات أخرى، ويمكن أن يستخدم مصطلح آخر يوازي مصطلح الدين العام، ألا وهو الدَّين السيادي.

لا شك في أن الدبيبة أمام تأزم وضعه السياسي مع عقيلة صالح، رئيس البرلمان، يظل ينفق بشكل ملفت، وغير مكترث ببرلمان طبرق بقصد رفع شعبيته كخصم سياسي حالياً، وكمنافس متوقع على الرئاسة القادمة أمام عقيلة ذاته، إلى جانب الجنرال حفتر، وغريمه الأساسي باشاغا. فالإنفاق الحالي للدبيبة يمكن النظر إليه بمثابة «رشوة سياسية» للناس تعزز وجوده كرجل بالمشهد، رغم أن ولوجه للحياة السياسية كان مشوباً بالفساد، فقد نشرت جريدة «لوموند» الباريسية تقريراً في 8 فبراير العام الماضي، أشارت فيه إلى أن ابن عمه وزوج أخته كان يشتري أصوات المجتمعين في جنيف ليحل مكان السراج، واعتبرت ذات الجريدة أن أول لقاء صحفي للدبيبة مع الصحافة التركية، كأول صحافة أجنبية تلتقي به، أعتبرته «لوموند» أنه كان بمثابة إثبات صريح لمدى قربه من تركيا، ووصفت «لوموند» الدبيبة في ذات تقريرها بـ«الممثل لمؤسسات الدولة التركية الرئيسية المهتمة بالسوق الليبية».

استمرار الدبيبة في مكانه بوهج الرشوة السياسية للناس للمحافظة على وجوده السياسي من الأمور المثيرة للجدل، فهو في آخر الأمر ينفق من المال العام لأجل شعبيته وتعزيزها في وسط شعبي متململ من أوضاع الفساد، ورجالات المشهد ومزاياهم المعلنة وغير المعلنة، ولتفشي الفساد والنهب، وإنفاقات لازالت سرية على مليشيات تظل ترابط على قلوبنا جميعاً. فهذا الإنفاق الترويجي لشخصه يعد معيباً سياسياً، فلو كانت الحالة السياسية والقانونية بالبلاد في وضعية سليمة لكن تم تقويض هذا الإشهار السياسي قانوناً، ووفق الأعراف المتبعة في الدول الرصينة، ودون حسابات سياسية توظف القانون في ظل فوضى تتراكم وتتعزز لأجل تسجيل نقاط على الخصوم بعضهم بعضًا.

موقع «أخبار ليبيا» في أكتوبر الماضي أقام استبياناً على موقعه الإلكتروني حول صرف الدبيبة المليارات لتسيير قطاعات وهيئات مختلفة، ونشر الموقع نتائجه، التي جاءت متباينة في نوفمبر من ذات العام. من بين أبرز الآراء التي وردت بالاستبيان أنه «من الأفضل إنفاق هذه المليارات على الناس، بدلاً عن أن تنهب أو تهرب».

الزنتوتي، العضو السابق بالمؤتمر الوطني العام، اعتبر في تغريدة على «توتير»، في بداية النقاش العام حول إنقاق الدبيبة، أن الدبيبة «يلعب على الوتر الحساس، وهو تذويق الشعب من ثروته المحروم منها على مدى سنوات عديدة»، مشيراً إلى أن الدبيبة كان «يطمح لشق صف البرلمان وصفوف أخرى». فصفقة المليارات التي نجح الدبيبة في ترسيخها على الأرض سياسياً عبر خطة سماها «عودة الحياة»، التي أنفق فيها على زواج الشباب، ومشاريع الإسكان والمرافق (262 مشروعاً)، ومشاريع التنمية والتطوير الإداري (273مشروعاً)، والمواصلات (197) بحسب إيجاز صحفي للحكومة نشر نوفمبر الماضي، قد جرت عليه غضب بعض القوى الفاعلة، إذ ظهر بأنه يجنح عن الأفلاك السياسية القائمة، التي لم تلامس الشارع بهذا الأسلوب الترويجي الجديد، إلا أن تسريباً صوتياً لمقابلاته مع الحكومة المصرية في القاهرة قد جلب عليه سخطاً حقيقياً من قبل أصحاب الأمر في طبرق، فعجل بسحب الثقة منه، وأسس لتأزمه السياسي الراهن.

أمام كل ما يجري بالبلاد من سياسة وتدابير، يظل الفرج في ليبيا يلوح برهة، ويتوارى في لحظات، بما يؤكد أننا، في بلادنا، لازلنا لم نحصل على همم حقيقية تسعى لإخراج البلاد من أزمتها بشكل أولي وحاسم، فعناد ساستنا وولاءاتهم السياسية الخارجية والداخلية هي صانع قرار ليبيانا ليس إلا، ويظل شعبها هنالك، بعيداً ومحشوراً بين النهب له وخنوعه ورجالات النفق المظلم.