Atwasat

«على بياض» وأسئلة لا بُد منها

جمعة بوكليب الأربعاء 23 فبراير 2022, 10:20 صباحا
جمعة بوكليب

قبلَ مشاهدة حلقة من البرنامج التلفزي (على بياض)، الذي تقدمه السيدة زينب تربح، على قناة بوابة الوسط، لم أرَ الإعلامية السيدة هالة المصراتي.

نقطتان مهمتان تطرقتْ إليهما السيدة هالة في الحلقة، وهَالني منها ما قالتْ وسمعتُ. أولاهما تتعلق بالقبضة الأمنية في المجال الإعلامي في العهد السابق. وثانيهما تخصُّ الأسباب وراء حركة 7 أبريل الطلابية عام 1976.

تؤكد السيدة هالة أن جُرأتها الشخصية لا غير، هي ما مكّنها من انتزاع هامش حرّية إعلامياً، قالت إنّه كان متاحاً، ولم يتفطّن إليه الآخرون. والسببُ، في رأيها، هواجسُ خوف غير واقعية، لا وجود لها إلاّ في أذهانهم. وهو كلام غير مسؤول، تدحضه الوقائع. وكمن يتقصد حجب ضوء الشمس بغربال.

والحقيقة، أن القبضة الأمنية الحديدية للنظام لم تكن خافية على أحد في كل القطاعات عموماً. وأن تلك القبضة كانت تزداد إحكاماً، وبشكل خاص، على القطاع الإعلامي بأنواعه. وبالتأكيد، كانت هناك استثناءات، لكنها قليلة، وفي حكم النادر. وكان أصحابُها معروفين، و مكفولين بالحماية (من فوق.!!!) قصة اعتقالها واستجوابها وما تعرضت له هي شخصياً، خلال تلك الحقبة، تفنّد حكاية الهواجس.

النظام السابق كان بعيون لا تغفل مطلقاً عن كل ما يُكتب وينشر ويبث ويذاع داخل ليبيا وخارجها من قبل صحافيين وكتاب وإعلاميين ومثقفين. ولا يتهاون لحظة واحدة في معاقبة من يتخطى، بقصد أو بحسن نيّة، ما وضعه من خطوط حمراء. وملاحقته للصحافيين والكُتّاب، في الداخل والخارج، ليست سرّاً. تلك القبضة الحديدية على الإعلام كانت وليدة خوف من الإعلام ومن الإعلاميين، واحتكارا للمعلومات والحقيقة. بحيث إن المواطن الليبي لايصله منها إلا ما يمرّ عبر "فلتر" الأجهزة الأمنية.

النقطة الثانية أن حركة 7 أبريل الطلابية، في حقيقة الأمر، لم تكن مجرد مناوشات بين مجموعات طلابية، كما وصفتها السيدة هالة. إذ لو كانت كذلك، لما قَضى شبابٌ جامعيون أعمارهم في السجون. ولما طُردَ وحُرمّ المئات من متابعة دراساتهم، في ليبيا والخارج، بوضع أسمائهم في قوائم الممنوعين من السفر. كما أن المئات ممن يدرسون بالخارج قُطعت عنهم المنح الدراسية، عقاباً لهم على تعاطفهم مع إخوانهم في جامعتي طرابلس وبنغازي. ولو كانت مشادات بين مجموعات طلابية، لما احتفل بها النظام سنوياً ورفع شعار: "كل ليلة هي ليلة الفاتح من سبتمبر، وكل يوم هو يوم السابع من أبريل."

ولتذكير السيدة هالة، فإن ما حدث في 7 أبريل عام 1976 كان صراعاً سياسياً، في المركز منه معارضة التيار الطلابي الوطني تدخلات النظام في الوسط الأكاديمي الجامعي، وضد تجييش الجامعات وتحويلها إلى معسكرات، وضد موقف النظام المعادي لمطالب الحركة الطلابية الوطنية بحقها في العمل النقابي وتاسيس اتحاد مستقل وديمقراطي يمثلها ويكون صوتاً معبّراً عن القطاع الطلابي الليبي.

الصراع في الجامعتين (بنغازي وطرابلس) ضد النظام العسكري، بدأ قبل أبريل 1976، واشتد بعد قيام الثورة الثقافية عام 1973. كان القطاع الوطني الطلابي يطالب بعودة الجيش إلى ثكناته، وبحكم مدني ديمقراطي.

لذلك سعى النظام إلى التخلص من بعض قادة الحركة الطلابية الوطنية. وقام في عام 1973 بسجن بعضهم بتهمة الحزبية. كان أنصار القذافي في الجامعتين قليلي العدد، ويقابلهم تيار طلابي وطني هائل. وكانت مطالب التيار الوطني الطلابي تتمثل في مطالب محددة، وهي حرّية واستقلالية الجامعات وحرمتها. وعدم تدخل النظام في أنشطتها الأكاديمية. والمطالبة بحق الطلاب الليبيين في الجامعتين، وفي غيرهما من مراحل التعليم المختلفة، أن يكون لهم اتحادهم أسوة ببقية طلاب العالم. تلك الدعوة تحديداً أزعجت النظام وأربكته، فأوعز إلى أنصاره في الجامعتين بعرقلة المشروع. ونظراً لقلة عددهم لم يجد النظام بداً من التدخل على أعلى مستوى، وصمم خطة جهنمية.

البداية كانت يوم 5 أبريل 1976 في مدينة سلوق، حين ألقى رأس النظام خطاباً نارياً هاجم فيه الحركة الوطنية الطلابية، وطالب فيها أنصاره بالزحف على الجامعتين. وفي يوم 6 أبريل 1976 حضر إلى الجامعة، من كان يطلق عليه في الإعلام الغربي الرجل الثاني، وهو الرائد عبد السلام جلود في زي عسكري، إلى جامعة طرابلس، وتحديداً ساحة كلية الهندسة، وأطلق من مسدسه الشخصي عيارات نارية. وبعدها ألقى خطاباً في من تواجد حوله من أنصار. وأعقب ذلك تلاوة قائمة ضمت عشرات الطلاب النشطين نقابياً من جميع الكليات، وقد صدرت ضدهم قرارات بالطرد. وكنت شخصياً من ضمنهم. وفي اليوم التالي، الموافق 7 أبريل تحولت ساحة كلية الهندسة إلى ميدان معركة شرسة وغير متكافئة بين الطلاب المناوئين للنظام وبين أنصاره. استعان النظام بقوات أمنية كبيرة حضر أفرادها إلى الجامعة بملابس مدنية. وبقية القصة معروفة.

القضاء على الحركة الوطنية الطلابية كان مخططا صممه رأس النظام ونفّذه في السابع من أبريل، بعد أن تخلص من الحركة الحزبية، والحركة النقابية، وتمكن من القضاء على خصومه في الجيش.