Atwasat

المادة السادسة وإشكالية التشريع

محمد مراد الإثنين 31 يناير 2022, 05:34 مساء
محمد مراد

في فبراير العام 2014، توجه الليبيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، على أن يكون مقرها مدينة البيضاء الواقعة في شرق البلاد، وأن يناط بها إعداد دستور يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تعددية في بلد تعطل فيه العمل بالدستور طيلة أكثر من نصف قرن.

إصدار مشروع الدستور
بعد أكثر من ثلاث سنوات من اجتماعات، وجلسات، ومداولات داخل وخارج ليبيا، مع مقاطعة بعض الأعضاء أعمال اللجنة وعلى رأسهم ممثلو الأمازيغ والتبو والطوارق، لعدة أسباب، منها المطالبة بتعديل المادة 30 من الإعلان الدستوري وإقرار مبدأ التوافق فيما يخص المكونات الثقافية واللغوية، أصدرت constitution أخيراً الهيئة التأسيسية مشروع الدستور في يوليو 2017 ليكون جاهزاً للاستفتاء.

مواد جدلية
1- أثارت المادة 6، التي نصت على أن «الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع»، والمادة 195 التي نصت على «عدم المساس ببعض المواد والمبادئ ومنها المادة السادسة»، أثارت اعتراض العديدين من الناشطين والصحفيين وبعض المنظمات والحركات الحقوقية الذين رأوا أن هذه المواد لا يمكن أن تتوافق ومبادئ الديمقراطية، فالديمقراطية عملية يشارك فيها المواطنون المؤهلون على قدم المساواة - إما بشكل مباشر أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين، وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمساواة في تقرير المصير السياسي، أما في الدول التي تطبق الشريعة فإن العملية السياسية تتم عبر فئة قليلة من المجتمع تسمى أهل الحل والعقد هم وحدهم من يقررون وبيدهم اختيار السلطة السياسية دون غيرهم، ولا تزال هذه العملية تطبق في بعض الدول العربية.

تعارض مع الديمقراطية وتأسيس لدولة ثيوقراطية
يرى المعترضون أن الشريعة تتعارض بشكل صريح تماماً مع مبادئ الديمقراطية، والحرية، والعدالة، والمساواة، والمدنية، وقيم المواطنة.
ففي الديمقراطية العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ هي علاقة موظف ومواطن، علاقة تنظمها أحكام الدستور، وتبين الحقوق والواجبات بينهما، محددة بمدة زمنية مع وجود آليات واضحة للمحاسبة، وحدود لصلاحيات السلطات المختلفة بالدولة. بينما في الشريعة العلاقة فيها بين حاكم مطلق واجبة طاعته، وإن ضربك وجلد ظهرك، ورعية عليها السمع والطاعة فقط، والرعية تعني أن يكون الناس خادمين وخاضعين تماماً للراعي (الحاكم)!، وأنظمة الخلافة الوراثية في العصور الوسطى خير مثال على ذلك. فقد تم التنكيل بكل المخالفين والمعارضين بحجة إقامة أحكام الشرع الإسلامي، كذلك يتخوف المعترضون من أنها ستزيد من سطوة رجال الدين والمؤسسات الدينية الرسمية المتصارعة هي الأخرى، الأمر الذي يمهد الطريق لقيام دولة ثيوقراطية لا تضيق على حرية الفكر، والتعبير، والرأي، والصحافة، فقط، بل يتعداه إلى الحريات الفردية. والثيوقراطية هي نمط حكم تدعي فيه السلطة القائمة أنها تستمد شرعيتها من الله ويدعي الحاكم أنه يحكم باسم الله، وبالتالي يلغي أشكال الشرعية السياسية بحجة الاستجابة للإرادة الإلهية، ويكون الناس مجبرين على الطاعة العمياء للسلطة من منطلق الحق الإلهي، ولا مجال لمعارضته ولا لمساءلته، وتتميز الثيوقراطية بالنفوذ الواسع لرجال الدين كما هو الحال في عديد من دول المنطقة، كأفغانستان، وباكستان، وإيران، والسعودية التي شهدت صعود تيار الصحوة ودعمت ومولت وجيشت المنابر الإعلامية لصالحه، إلا أنها اليوم تشهد انفتاحاً واضحاً سواء على صعيد الحريات الفردية، وحقوق المرأة، أو في ما يخص الخطاب الديني، وتراجع حدته بل والاعتذار من قبل أحد رموز الصحوة الإسلامية «عائض القرني» عما بدر من أخطاء خارج الكتاب والسنة، حسب ما قاله.

وكان هذا الاعتذار سيصلح ما أفسدته الصحوة خلال العقود الماضية من تسييس للدين وتأجيج للصراعات الطائفية والفتن المذهبية وتكفير للمخالفين، وتبرير للإرهاب، والتطرف، والتزمت، وما وصلنا إليه من انحطاط فكري وثقافي وأخلاقي!!.

شريعة واحدة أم عدة شرائع؟
باختصار، الشريعة الإسلامية هي الأحكام الموجودة في آيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة، لا جدال لدى المسلمين جميعًا في أن القرآن نص مقدس من عند الله، ولا جدال كذلك بأن تفسير، وتأويل النصوص، والآيات، والأحكام، هو اجتهاد بشري بامتياز، ومع وجود مئات الفرق الإسلامية اليوم يوجد الكثير من التفسيرات والتأويلات المختلفة لأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا التباين بين الفرق والمذاهب يتضح بشكل جلي في فهم وتفسير وتطبيق أحكام الشريعة. ومن هذه الاختلافات قضية تطبيق الحدود. فبينما تطالب الفرق الأصولية، وخاصة السلفية منها، بتطبيق الأحكام الخاصة بالحدود حرفياً، ترفض فرق أخرى ذلك وترى أن الغرض من النص تطبيق مقاصد الشريعة المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.أيضاً فإن بعض الفرق والمفكرين الإسلاميين يرون أن تطبيق أحكام الحدود خاصة بزمان ومكان معينين وأن شريعة القرن السابع لا تتماشى وإنسانية العصر الحديث. إن الاختلافات بين الفرق والمذاهب الإسلامية كثيرة جدا ولا يسعنا المجال لحصرها في هذا المقال، وإن كلا منها يدعي الفهم الصحيح والوحيد، وما عداه خاطئ، فها نحن الآن أمام إشكالية ومعضلة كبيرة، فلدينا اليوم عشرات الشرائع، فأي شريعة سنطبق في ليبيا، الشريعة المالكية أم الحنبلية، أم الوهابية، أم الصوفية، أم الإباضية، أو القرآنية؟!!.

إننا، وبلا أدني شك، أمام إشكاليات كبرى في ما يخص المادة السادسة، وإن الجدل بخصوصها لن ينتهي بل سيتجدد بشكل أكبر حينما يقترب موعد الاستفتاء على مشروع الدستور.