Atwasat

بين الكواليس وخارطة الطريق.

رافد علي الخميس 27 يناير 2022, 12:49 مساء
رافد علي

لم يتردد السيد عقيلة صالح، رئيس البرلمان والمرشح لانتخابات الرئاسة بليبيا، في تجديد معارضته للحكومة المؤقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، إذ يعتبرها حكومة منتهية الصلاحية، فقد صرح علي الهواء قائلاً بجلسة الاثنين الماضي-24 يناير-: "إن الحكومة أمرها منتهٍ...."، إلا أن عقيلة يسعى فى الوقت ذاته ليكفل لبرلمانه دورة برلمانية جديدة مجاناً، أي بدون اقتراع شعبي عليها، وذلك عبر عمل لجنة البرلمان المعنية بوضع خارطة طريق للعملية السياسية بالبلاد، والتي سيتحدد على ضوئها موعد مستقبلي للانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر الماضي.

خارطة الطريق البرلمانية التي كُشف عنها في مدينة طبرق بمساراتها الثلاثة يوم الاثنين الماضي "دستوري وتنفيذي وامني"، ورغم تعليق الجلسة ليوم الثلاثاء "25 يناير" يمكن القول بأنها ستكون خارطة ضخمة، بسبب حالة البلاد المشتتة والمنهكة بفوضى السلاح وأثره على إدارة وتسير شئون البلاد والتحالفات السياسية الحديثة فيها، والتي يقف عليها اليوم رجالات، تصر على البقاء في كراسيها ومراكزها، ضمن مسلسل تصفية الحسابات الشخصية المسيسة. المندوب الأمريكي في مجلس الأمن نبه بشكل صريح في كلمته أمام جلسة مجلس الأمن المتعلقة بليبيا ليلة الاثنين الماضي"24 يناير" رجالات المشهد إلى "الكف عن إبرام الصفقات السياسية في الكواليس من أجل الوصول للسلطة". فالمشاع في الأخبار عن اتصالات الدبيبة بتعزيز قنوات التواصل مع الإمارات، واستقبال عقيلة لدبلوماسي تركي، وخبر افتتاح قنصلية تركية بشرق البلاد، تشير جميعها إلي وجود خلق تفاهمات سياسية جديدة بين ساسة ليبيا وهذه الدول، فى ظل التقارب الإماراتي-التركي الاخير، مع عدم تغيير موسكو لموقفها مما يجرى، بسبب خططها في مد سطوتها في أفريقيا عبر مرتزقة فاغنر التي تريد تطوير قاعدة مركزية لها بليبيا، حسب ما تشير التقارير المنشورة في الغرب.

فى ظل التسابق على السلطة بالبلاد، ضمن الفوضى وانعدام ملمح زمني محدد من شأنه إنهاء شبح الفرقة، والاضطراب وسياسة ترسيخ الأمر الواقع عبر نهج التضارب والعناد، يصعب القول بأن تحديد موعد للانتخابات سيكون بالشيء الخالي من التحديدات الصعبة والمعقدة في ما بين الليبيين أنفسهم، فمجلس النواب لازال رغم طموحه في وضع خارطة طريق سياسية شاملة للبلاد، يتقارب فيها سياسياً مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري؛ فلازال البرلمان غير قادر على عقد جلسة برلمانية موافقة للنصاب القانوني، كما نوهت ستيفاني وليامز يوم لقائها السيد عقيلة مؤخراً. إلى جانب وجود ميليشيات لازالت لا ترى في قيام الدولة غنيمة حقيقية تغريها بإلقاء السلاح، والانخراط في مدنيتها، أو بالاندماج في مؤسستها العسكرية المشطورة حتى الآن. من جهة ثانية، إن التسليم بفرضية أن الخارطة الليبية للطريق قد تم أُصدارها، فإننا سنصطدم بحقيقة إجرائية، وهى أن ستيفاني، كمستشارة للأمين العام للامم المتحدة، ليست مخولة بتطبيقها، أو الإشراف علي تطبيق خطواتها، فهى ليست بمنصب مبعوثة دولية، لأنها حتى الآن تمارس منصب المستشارة، والتسريبات الصحافية الواردة في الغرب التى تشير إلى وجود فكرة دفع بدبلوماسي ألماني لتعيينها مبعوثا أمميا في ليبيا، هى حتي التو عبارة عن تسريبات عامة وغامضة، ولا تصب في صالح التسابق مع الزمن لتحديد موعد محدد لإجراء الانتخابات. فلا طائل من التعويل على فكرة تعيين مبعوث أممي في ليبيا، إلى جانب أن الوضع في مجلس الأمن اليوم يحول دون فكرة تسمية المبعوث الأممي في البلاد، بسبب تعقد الحال بين موسكو، من جهة، وواشنطن وعواصم الاتحاد الأوربي من جهة ثانية، وذلك بسبب التصعيدات في أزمة أوكرانيا وإشكاليات حدود الناتو في اتجاه الشرق، فهذه جميعها أسباب لا تشجع على وجود احتمالية قوية لتحقيق أي توافق بين الأعضاء الخمسة بمجلس الأمن حول تعيين مبعوث أممي في ليبيا. وما إصرار وتشديدات ستيفاني المتكررة على "عدم الحاجة لمرحلة انتقالية جديدة فى البلاد"، إلا لإدركها، ومعها واشنطن أيضاً، بأن هذه الإشكالية الإجرائية ستعيق عمل الغرب، وتمنح موسكو، في مواجهة البيت الأبيض نصراً سياسياً، ما لم نقل منح موسكو ورقة تفاوضية أخرى، ليست الولايات المتحدة مستعدة للخوض فيها.

لازلنا لم نغادر المربع الأول في أزمتنا مع أنفسنا، رغم كل الآلام والدم والتقهقر والخسائر، وسيصعب علينا مغادرته حتماً، طالما أن ساستنا ليسوا جادين بعد في تقديم تنازلات حقيقية تليق بحجم الأزمة لأجل العبور بليبيا إلى ضفة الأمان، في ظل غياب مجتمع مدني فاعل، وصحافة وطنية قوية تقرع الأجراس، وتنبه الناس إلى مخاطر المحنة المعاشة منذ سنوات قاسية وطويلة.

لقد أضحى عدد الليبيين الحاصلين على البطاقة الانتخابية المقدر بـ "2.5 مليون"، وهو رقم يدلل على عزم الناس الخلاص من فخاخ هذه المرحلة الصعبة بكل التعقيدات والمماطلات والخوف منها. وأصبح الخطاب الدولي المتعلق بأزمة بلادنا يدفع بهذا الرقم للتعبير عن إرادة الليبيين في مواجهة واقع بلادهم المتدهورة عبثاً وتناحراً وفساداً.

علينا، كمدنيين، أن لا نكتفى بـ "المحافظة على زخم الانتخابات" كما يُردد دبلوماسياً، بل علينا أن ننتهز الفرص لتجديد تمسكنا بالانتخابات بشكل دائم، لأنها الخطوة لاستردادنا، كشعب، لبلادنا ولكرامتنا ولأموالنا المنهوبة والمجمدة أيضاً.