Atwasat

بيدق وكومبارس!

صالح الحاراتي الخميس 27 يناير 2022, 12:47 مساء
صالح الحاراتي

من المعلوم أن البيدق هو القطعة الأكثر عددًا في لعبة الشطرنج، وفي معظم الأحيان، يكون أيضًا أضعف قطعة.. ويسمى البيدق "جنديا".. والبَيْدق مفرد وجمعه بيادِقُ وبيادِقَة

البَيْدق ورغم المرات القليلة جدا التى يكون له دور إيجابي في لعبة الشطرنج، إلا أن الحديث هنا ليس عن الشطرنج، ولكن المقصد هو استعارة لفظ بيدق للإشارة إلى أنه يستخدم كتعبير مجازي عن الشخص الذي يقاد ولا يقود، أو التابع لمتبوع، وذلك توصيف يصح على الأفراد بغرض الاستهزاء والتحقير؛ ويصح على الدول بغرض تقليل وبخس الأهمية فى التأثير على مجريات الأحداث وتأكيد تبعيتها للدول الأقوى.

وضمن سياق نفس حالة التبعية يحضرنى أيضا لفظ "كومبارس"، التي تعنى: ممثل ثانوي في عمل تمثيلي، أو بمعنى أدق هو(ممثل إضافي) طبيعة عمله أنه يحتشد ضمن جموع قد تصل إلى أعداد غفيرة مثل مشاهد المظاهرات والمعارك والحروب.

وكما حال البيدق، الممثل الكومبارس قد تظهر له أيضا أهمية ما من خلال ما يضفي على المشه من الواقعية ويساعد على خلق مناخ طبيعي لتنفيذ السيناريو وتسلسل الأحداث، ويتشابه فى ذلك مع حالة وحقيقة الدور الهامشى لفئة من الناس تظهر في الكادر السياسي، ولكنه ظهور باهت يمثل حالة الكومبارس.

فى الموسوعة العربية الشاملة معنى كلمة compares: هو ممثل زائد، و يكون مواطنا عاديا لكي يمثل دورا صغيرا، ويكون الدورغير مهم بدرجة كبيرة و نادرا ما يلاحظه الناس، لكن هذا الدور في الغالب بغرض جعل مناخ القصة أقرب للطبيعة. ويوجد لكلمة كومبارس عدة معانٍ في معجم المعاني يدور معظمها حول التعريف الذى ذكرته أعلاه.

ما اجترح لفظ البيدق والكومبارس فى عقلي هو شعوري بأن قياس أوضاع الدول على معيار التقدم والنمو والفاعلية يشابه أوضاع دول العالم الثالث الهامشية.. وينتابنى شعور بالمقاربة بين عالم السياسة ودنيا السينما والمسرح، حيث نجد الفرق بين دور البطولة الرئيسى من ناحية ودور الكومبارس من ناحية أخرى، مما يستدعي منا أن نطلق لفظ "البيدق أو الكومبارس" على الدول الهامشية، نظرا لضآلة دورها فى التأثير على مجريات الأحداث. إقليميا وعالميا.. ولذلك تكون علاقة التبعية بين الدول الكبرى والهامشية.. أي أن هناك علاقة سببية موجودة بين تابع ومتبوع، وستظل هذه التبعية طالما ظل هناك تمايز فى الإمكانيات والقدرات بين الطرفين.. بحيث يلجأ المتبوع إلى تسخير كامل قدراته للتحكم بالتابع، فيَستميله تارة بدعم مالِي، وتارة بقوته، وتارةً بعلمه.. إلخ.

فى زمن مضى كانت العلاقة بين الدول الكبرى القوية والدول الصغرى والهامشية تتم فى إطار من الكتمان وعدم وضوح حقيقة التبعية التى أشرت إليها. ولكن مع تطور وسائل الاتصال والمعلوماتية والعولمة أصبحت مسألة التبعية على المكشوف؛ وتبين للجميع أن حكامها الذين يمارسون الدجل والكذب ويكتظ خطابهم بمفردات العزة والكرامة والتحدي، وتلوك ألسنتهم مفردات مثل "السيادة " ليسوا إلا بيادق وكومبارس يؤدون أدوارا محددة، ومن يتجاوز الحدود المرسومة له، أو عند انتهاء دوره،تيتم إزالته بعدة سيناريوهات.. وكلما مر زمن الحظر على نشر الوثائق السرية للدول الكبرى وخرجت للعلن تبينت لنا حقيقة العلاقات بينها وبين الدول الضعيفة.

الدول القوية الكبرى تستهدف تحقيق مصالحها سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، ولكي تنجح فى مسعاها ذاك لابد أن تتميز بإمكانيات تمكنها من السيطرة على التابعين، وهي إمكانيات تتطور بتطور الزمان والإمكانيات، بينما التابع باق على حاله.

تبدو نظرية التبعية وكأنها جزء رئيس من نظرية المؤامرة، وهناك نقاد يرفضون نظرية التبعية ويرون أن السبب فى هامشية الدول الصغيرة ليس بسبب إكراهات الدول الكبرى، ولكن يلقون السبب على عاتق النخب والاقتصاديات المحلية في التخلف المزمن لهذه البلدان، ويشيرون مثلا إلى دور الفساد وغياب ثقافة المنافسة.. وأظن أنه رأي له نصيب من الصواب، وهنا لا تفوتنا الإشارة إلى أن مسالة التبعية قد تكون بسبب ما يسمى بالقوة الناعمة. إذ القوة الناعمة هى"القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام أو دفع الأموال"، وهي تختلف عن القوة الصلبة المكونة من العتاد العسكري والثراء الاقتصادي واستعمالهما المباشر أو بالتهديد بالعقوبات أو الاستمالة بالمساعدات.

أن تمتلك قوة ناعمة يعني أن تجعل الآخرين يعجبون بك ويتطلعون إلى ما تقوم به فيتخذون موقفًا إيجابيًا من قِيَمك وأفكارك وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك.

هناك كتاب "لجوزيف ناي" يتحدث عن القوة الناعمة ويضرب لذلك عدة أمثلة منها:
تحتوي أميركا على 62% من أهم العلامات التجارية في العالم، وبها 28% من جميع الطلاب الدارسين خارج بلادهم، وهي أكثر دولة تستقطب المهاجرين وتنشر الكتب والمؤلفات الموسيقية وتنتج البحوث العلمية، إضافة إلى كونها أهم مصدّر للأفلام والبرامج التلفزيونية.

* الدول الأوروبية تحتل المراكز الخمسة الأولى في عدد جوائز نوبل في الأدب، والمراكز العليا في مبيعات المؤلفات الموسيقية ونشر الكتب.. وتنفق جميع الدول الأوروبية أكثر مما تنفقه أميركا على مساعدات التنمية الدولية والدبلوماسية العامة، بالإضافة إلى جاذبية أوروبا كونها تميل للسلم وتدافع عن قضايا حقوق الإنسان وحفظ البيئة وغير ذلك".

* اليابان لها قوة ناعمة كبيرة بسبب كونها صاحبة أكثر براءات اختراع في العالم، ورائدة الصور المتحركة وألعاب الفيديو، واحتلالها المركز الثاني في بيع الكتب والموسيقى وصادرات التقنية العالية واستضافة المواقع الإلكترونية، مع الإشارة إلى المستقبل الباهر الذي ينتظر الصين والهند.

ليست السطور أعلاه من باب زرع اليأس فى النفوس ولكن لتبيان حقيقة الخطاب المزيف الذي تتمناه الأطراف السياسية المتصارعة والتي يدعي كل طرف فيها أنه المخلص ويصف غيره بالعمالة، بينما الحقيقة أننا وللأسف "لا نملك حتى الآن لا قوة صلبة ولا ناعمة"!! وأننا جزء من منظومة (تابع لمتبوع) بلا مزايدات وخطاب الشعارات الفارغة.