Atwasat

سـتـيـفانـي وليامز والسباحة في النهر مرتين

ضو المنصوري عون الأربعاء 19 يناير 2022, 10:53 صباحا
ضو المنصوري عون

تصاعدت وتيرة التفاعل مع قرار الأمين العام للأمم المتحدة المتعلق بتعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز مبعوثاً شخصياً للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، وسبق أن شغلت السيدة ستيفاني مساعداً للمبعوث الأممي غسان سلامة حتى بعد استقالته إلى أن تم تعيين السيد (كوبيش) الذي قدم استقالة مفاجئة يكتنفها الغموض توقيتاً وسبباً.

وفي إطار القراءة الموضوعية لهذا القرار فإنه لا مناص من الإشارة إلى أن هذا القرار قد أفصح بوضوح عن حجم الخلافات داخل مجلس الأمن بين أعضائه المرتبطة أساساً بتضارب مصالح الأطراف المشكلة له، واتساع رقعة النزاعات الدولية من البحر الأسود وجزيرة القرم وإقليم ديناس بأوكرانيا – تيغراي بإثيوبيا – والنزاع الاستراتيجي القديم المتجدد بين تركيا واليونان – الصومال – إيران والعقوبات التي تهدد بفرضها دول الناتو على روسيا – سباق التسلح في مجال الفضاء، رغبة روسيا التي تمت الإشارة لها للتمدد فى أفريقيا - الخلاف الصيني الأميركي في المحيط الأطلس والهادي.

هذه النزاعات تلقي بظلالها على كافة التوجهات والقرارات التي يصدرها مجلس الأمن وفقاً لسياسات تتسم بالمرونة أحياناً وأحياناً أخرى بإشعال نزاعات إقليمية من شأنها تقليم أظافر طرف على حساب الطرف الآخر وتكون ضحيتها شعوباً لا ناقة لهم ولا جمل فيها.

«ليبيا ليست خارج هذه النزاعات»
إن الموقع الجغرافي الذي تتمتع به ليبيا على امتداد 2000 كيلو متر على جنوب المتوسط مقابلة لست دول أوروبية هي أعضاء رئيسيون في حلف الناتو (تركيا – اليونان – مالطا – إيطاليا – فرنسا – إسبانيا) يضاف إلى ذلك الإمكانات الكبيرة للاستثمار في هذا البلد البكر الذي يربط أوروبا بأفريقيا ويشكل من خلال موقعه بوابة مهمة لأوروبا يبرر التمركز فيه لمواجهة محاولات التواجد فيه من قبل العدو الاستراتيجي للغرب وهو روسيا التي انتهجت منذ استيلائها على جزيرة القرم وهيمنتها على الأقاليم الشرقية من أوكرانيا وتلويحها بضم مناطق شاسعة من شرق أوكرانيا (إقليم دوبناس) إضافة إلى تواجدها المريب في العديد من الدول الأفريقية من خلال قوات الفاغنر ومن ضمنها ليبيا، والتي تشير التقارير إلى قيام هذه القوات بتدريبات لوجستية بأسلحة متطورة جداً رغم إعلان الكرملين في أكثر من مناسبة أنها ليست تابعة له ولا علاقة له بها، إلا أن الحقيقة تفصح عن تواجد هذه القوات في أكثر من بلد أفريقي في إطار سعي روسيا لإعادة دورها الذي فقدته إبان الاتحاد السوفيتي السابق الذي تعتبر نفسها خليفة له.

هذه التقاطعات السياسية هي التي كانت وراء تعيين الأمين العام للأمم المتحدة السيدة ستيفاني وليامز مستشارة خاصة له بعد أن فشل في تمرير المرشح البريطاني الذي لم يحظ بموافقة روسيا، أي بمعنى أن مرحلة السباحة في النهر الليبي للمرة الثانية بعد فشل المرحلة الأولى كانت بسبب فشل السياسات التي اتبعتها السيدة ستيفاني في إدارة المشهد السياسي وتغاضيها عن تطبيق المبادئ التي قامت على أساسها الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي تحت شعار (حق الشعوب في تقرير مصيرها) .

إن تعيين السيدة (ستيفاني وليامز) في هذه الظروف للمرة الثانية للسباحة في النهر الليبي بنفس الأدوات السابقة رغم تغير الظروف يعد ضربة استباقية لأي محاولات داخلية يمكن أن تؤدي إلى تقارب بين الأطراف الليبية، وبالتالي تفقد الأمم المتحدة ومشروعها لإطالة أمد النزاع واستمرارها في إدارته فكان لا بُد من الزج بالسباح الذي خبر النهر الليبي وسبق له السباحة فيه ليعاود نفس السيناريو السابق للأمم المتحدة التي تحاول فرض إرادتها المشبوهة طريقاً للحل في ليبيا، وبنفس السباح السابق (الأكثر مهارة).
«فماذا يعني هذا التعيين وما هي إمكانية نجاحه»
يعرف أغلب الليبيين أن الاختناق السياسي الذي تعاني منه ليبيا الآن هو صناعة دولية تخرج من ثنايا جلباب مجلس الأمن بامتياز، فرغم المطالبات التي وجهت لبعثة الأمم المتحدة ومندوبيها وأمانتها في نيويورك على رأسهم أمينها العام وستيفاني وليامز بضرورة احترام المسار الدستوري بما يضمن إقامة المؤسسات السيادية على أساس متين يحدد صلاحيات كل سلطة ويضمن عدم اقتراب أي منهما لثخوم الأخرى وفقاً لقواعد المراقبة والمساءلة والمحاسبة وبما لا يخالف الأعراف السياسية القائمة على تطبيق الأسس الديمقراطية في الحكم.
إلا أن السيدة ستيفاني وعراب الحروب في ليبيا غسان سلامة أخذتهما العزة بالإثم ومضيا في غيّهما ضاربين عرض الحائط كل المطالب التي وصلت إليهما انتقاداً أو تصويباً، وقد لاقى كل ما فعلته من عبث بالمشهد السياسي في ليبيا تأييداً من المجتمع الدولي الذي اتضح أنه يرغب في أن تغوص السيدة ستيفاني فى النهر الليبي كما يقول المثل الإيطالي (دع البقرة تدخل الطين) فهل أدركت السيدة الأميركية ذات النفوذ الخيالي على من صنعتهم من أشباه الساسة الليبيين هذه الخديعة بعد الوقوف على المآلات التي وصلت إليها ليبيا وهل أدركت إنها لن تنجح مجدداً إلا إذا استطاعت انتشال الحالة الليبية من ملاعب الدول الكبار واحترام إرادة الشعب الليبي وقوانينه ومعاملة الليبيين بالصورة التي يستحقونها من الاحترام بدل الاحتقار والتصغير والتركيز على الملف الأمني بتوحيد منتسبيه؛ سواء كان قوات مسلحة أو مجموعات تحمل السلاح على مختلف مسمياتها، وكذلك الجهات الأمنية من مكونات الشرطة وما في حكمها، وخلق حوارات مباشرة معهم وضمان تحقيق مطالبهم ومشاركتهم في السلطة وفقاً لأسس ديمقراطية، وهذه ليست الأولى على المستوى الدولي لحل الصراعات المسلحة في الدول التي شهدت حروباً وتصدعاً سياسياً يكاد يعصف بكيان الدولة، إضافة إلى المؤسسات الاقتصادية التي تشهد مسلسلات للنهب المنظم بمختلف الوسائل.

إن أمام المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة تحديات كبيرة لا يمكنها تجاوزها حتى لو تبنتها دولتها الولايات المتحدة الأميركية، إلا إذا نجحت في التحشيد الداخلي والدولي نحو إقامة نظام ديمقراطي قائم على دستور نابع من إرادة الشعب.. وهو ما لا تؤمن به المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، التي أثبتت تجربتها السابقة أنها تملك القدرة على الانتقال من مرحلة موقتة الى أخرى فقط أما الاستقرار الديمقراطي والسياسي فلن يكون له مكان لديها.

إن اعتبار مشروع الدستور الذي أنجزته هيئة منتخبة من الشعب وحصل على أغلبية دستورية وحصانة قضائية برفض كافة الدعاوى التي أقيمت ضده، ومعايرته من مركز دراسات القانون والمجتمع بجامعة بنغازي مع 189 دستوراً في العالم وكانت نسبة نجاحه قد بلغت 78 % كفيل بإنقاذ البلاد خاصة أنه قابل للتغيير خلال خمس سنوات من إقراره، كما أن تجربة هذا المنجز الدستوري كفيلة ببيان عيوبه ومحاسنه حتى يمكن الحكم عليه عند الاستفتاء، كما أن اعتباره قاعدة دستورية موقتة تحمل استجابة لبعض المختلقين معه.

إن ترديد مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة لأذكار حفلات (الزار) الصاخبة التي تقودها قنوات إعلامية مشبوهة وتعتبرها تعبيراً عن إرادة الليبيين دون إدراك بأن هذه الإرادة لا يمكن الوقوف عليها إلا من خلال صندوق الاستفتاء (بنعم أو لا) ودون ذلك لا يخرج عن كونه شعوذة سياسية لإجهاض إرادة الشعب الليبي.