Atwasat

النوافذ: تسمح وتصد

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 16 يناير 2022, 01:38 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

النوافذ صديقة الهواء والنسيم والنور، والإطلال على الخارج والحفاظ على تواصل معه. ترحب بالهواء والنسيم والنور، كي يتجدد هواء البيت ويعمه الضوء ويدفأ، مثلما تخرج منها الحرارة الزائدة فتلطف جوه وتجعل الحياة فيه مريحة.

لكنها تصد الرياح والبرد، والمطر الشديد الذي يهطل في خطوط تميل باتجاهها، والكائنات المهلكة مثل الثعابين والعقاررب، وكذلك اللصوص والمجرمين الذين يمكن أن "ينفذوا" منه إلى داخل البيوت.

فهي ترتبط، إذن، بالصحة والحماية والسلامة. كما أنها صديقة العشاق المقموعين، والتلصص والمراقبة، من داخلها أو خارجها.

ولعل تحدر كلمة window الإنغليزية، التي تعني نافذة، من كلمة اسكندنافية قديمة تعني، حرفيا، «عين الريح» يؤيد ارتباط النافذة بالبصر، وبالتالي، بنوع من المعرفة. في العربية، يبدو أن مفردة «نافذة» قد «نفذت» لهذه اللغة، بمعناها المعروف حاليا، متأخرة، من واقع ملاحظة أنها لم ترد بهذا المعنى في قاموس «لسان العرب».

وإذن، فالنوافذ، بممارستها وظيفتي السماح والصد، تمارس «نفوذا» على السكن وساكنيه.

*
ابتكر الإنسان فكرة النافذة بعد أن انتقل من النمط المعيشي القائم على الصيد والتنقل (سكنى الكهوف، إذ لا نوافذ في الكهوف)، إلى نمط العيش الزراعي المستقر (إلى إنشاء القرى الزراعية وسكنى الأكواخ). غالبا كانت البيوت، في البداية، تحتوي على الأبواب فقط وكانت تسد بستارة مجدولة من الأغصان أو ستارة من جلود الحيوانات.

ظهرت النوافذ قديما في سوريا أولا، ثم طورت في مصر، حيث توضح الرسوم الفرعونية نوافذ في جدران البيوت مغطاة، مثلها في ذلك مثل الأبواب، بستائر. الإغريق استعاضوا عن النوافذ في بيوتهم ببنائهم ساحات ذات أعمدة تنفتح على مركزها غرف البيت.

كما ظهرت النوافذ عند الرومان في فترة مبكرة، وينسب إليهم أنهم أول من استخدم الزجاج فيها، وهو ابتكار توصلوا إليه، على الأرجح، أثناء وجودهم في مصر، تحديدا في الإسكندرية بداية القرن الثاني الميلادي. إلا أن الزجاج المستخدم لم يكن شفافا بما يكفي لنفاذ النظر خارجا وداخلا.

لاحقا أخذت أشكال النوافذ وأحجامها والمواد المستخدمة في أطرها وتنوع أبوابها وستائرها وطبيعة الزجاج المستعمل في أبوابها، تتسع وتتنوع، وكذلك تنامت أهميتها الهندسية في تصميم الأبنية وتأثيرها على مظهرها الخارجي.

_____________________________

- مقالات الكاتب: عمر أبو القاسم الككلي