Atwasat

كلمة في الوقت بدل الضائع.

رافد علي الخميس 13 يناير 2022, 11:43 صباحا
رافد علي

مع حلول العام الميلادي الجديد لازال شبح الفوضى يطل برأسه علي ليبيا وشعبها، رغم المطالب الشعبية في الشارع، وتحرك نقابة المحامين بمطالبة الناس بالتمسك بحقها الشرعي في إجراء انتخابات تطوي صفحة البؤس، وحقبة مؤسسات تعمل خارج الصلاحية الزمنية، وتقلب أيضاً صفحة وجوه المشهد المتوتر، التى أصبحت وجوهاً أكثر من مستهلكة في مسلسل اللا انفراجات، لكننا بتنا الآن ندشن، مع حلول سنة جديدة، مرحلة يتجدد فيها الإحباط العام، بسبب تأجيل الانتخابات الرئاسية، بما يعني ترحيل كل المعضلة الليبية، بكل مِحنها، لتمازج الفوضي والإرباك في تفاصيل أزمتنا التي أاختصرت المعوقات فيها بـ "القوة القاهرة"، المصطلح القانوني المعروف.

إن القول بأن تحديد موعد 24 ديسمبر الماضي كموعد انتخابي كان "تحديداً اعتباطياً"، لا يعفي رجالات المرحلة من أنهم لم يكونوا حريصين على عامل الزمن، بحيث يتم تدارك الكثير من التأخير المربك، كما هو الحال في تاريخ استلام تعديلات بعض القوانين المطلوبة، التى أاستلمت في اكتوبر الماضي، بدلاً من تسليمها بشهور صيف 2021، حسبما جاء في جلسة الاستماع للمفوضية العليا للانتخابات أمام البرلمان التي عقدت الاثنين الماضي. فالانتخابات كانت ولازالت أحد مخرجات مؤتمرات جنيف وبرلين وتونس، إلا أن جاهزيتنا للسباق مع الزمن خانها الجميع، وضمن واقعنا المحشور بين العرقلة والتدخلات و "السبوتاج" المسيس.

العواصم المهتمة بالانتخابات الليبية تنتقد التدخلات في الشأن الليبي كعامل معرقل لإجرائها، وتشدد على معضلة الانقسام الداخلي على نفسه، وكأنها تترفع عن مسؤوليتها في العرقلة، فالانقسام الليبي هو الورقة التي ترسخ سياستها التدخلية علي مدى عمر الأزمة. فالمجتمع الدولي، وحتى نهاية الشهر الجاري، يظل متحركاً في الوقت بدل الضائع، ساعياً لمعرفة من هم الأقوياء في هذه المرحلة المشوشة بتحالفات جديدة، ومراكز قانونية وليدة لبعض المرشحين، وتفاهمات حثيثة، لازالت طلائعها جميعاً لم تمنح الكثير لفهمها بشكل واضح. فا لقاء بنغازي، آخر الشهر الماضي، الذي جمع حفتر وباشا آغا وآخرين، يصب في هذا الاتجاه، بل إن فتح السيد باشا آغا النار على 10 داونج ستريت بانتقادات معروفة ومتداولة، من الأمور التي تجري مياهها نحو إبراز نوع من "الخشونة السياسية"، فانتقادات باشا آغا هي الأولى التي تأتي من رجل مشهد بوزنه لدولة ظل اسمها يطفو مرات عديدة علي وجه "مستنقع" الأزمة الليبي، بلا أن يتفوه ساسة المرحلة بأي نقد صريح لها، رغم سياسة وضع اليد التي تتبعها على المصرف المركزي الليبي الذي يُسير من مالطا، إحدى الدول الحليفة للندن، والتي صدرت أحكام قضائية بفاليتا تتعلق بالفساد والإفساد في ليبيا.

الانتخابات الليبية المؤجلة أمام التلاعب فيها من قبل أهل الفساد والمرتزقة والسلاح والسوابق، كأوراق عرقلة، لا يجب أن تظل في عيوننا هى النتيجة المرجوة بذاتها، بل يجب أن تظل هى الوسيلة نحو النتيجة، طالما أنها ظلت حتى اللحظة تشكل "الاختيار البائس لكل معرقل"، وخصوصاً لمن في ذمته حق قانوني لازال يحول بينه وبين تولي مناصب قيادية، فقد تدافعوا بطلباتهم في آخر عمر المهلة القانونية للترشح مما أربك فنياً عمل المفوضية، وفي ظل غياب القضاء العالي، مما زاد الفوضى والإرباك عبثيات أخرى يرسخها الواقع السائل على ذاته في البلاد.

كليبيين، علينا أخلاقياً على الأقل، أن نقف بقوة لصالح الانتخابات، وأن نلح على مؤسساتنا الراهنة لمقاومة سلبية مسالمة في خضم هذا الوقت بدل الضائع، لتكون رسالة واضحة لكل العالم في وجه التلاعب والعرقلة، وبما يثبت للعالم بأننا بشر جديرون بالاحترام رغم سنوات التيه والمسخرة والإفقار، ولنبين للعالم، كمدنيين، أننا لا نقبل من يسعى لتأبيد نفسه رباً علينا، والآخر المتمترس خلف لغة السلاح كسياسة أمر واقع، ولنثبت أننا سئمنا كل الآخرين الذين "شربوا من نبع ثديها وكم سكروا".

علينا كليبيين، في كل مواقعنا، أن نرفع صوتنا المسالم، ليشهد العالم بأن الأمل قد ضجر منا في تفاصيل ليبيا اللا معانٍ هذه، فقد أثبت بكل عشرية البؤس المنصرمة، وافتتاحية هذه العشرية الجارية، بأن السلبية المنتشرة بيننا قد بان عدم جدواها صبراً وانتظاراً لسراب الحلول المستوردة، فى ظل غياب صوت "أولاد البلاد". وعلينا أن نقتنع بأن نهج السلبية المنتشرة بيننا يعد أحد أسباب الهلاك المعاش.

لن يحترمنا العالم ونحن نتعاطى حياة البؤس بالسلبية الرائجة، ونرسخ غيابنا بالصمت المريب، ولندرك، بعد كل هذه السنوات، أن الاكتفاء بلعب دور الضحية قد مل منا منذ ولوج فبراير مأزقها مع ذاتها ومع الآخرين.

إننا الآن نقف أمام أنفسنا بصدد وطن يُتلاعب به، من قبل من فيهم من لم يحلم يوماً بأنه سيملك "ربع كلمة" في ليبيا، عوضاً عمن وصفها منتشياً ذات لحظة، في تصريح رسمي بأنها "أرض أجداده"، أو تلك السيدة التي سمحت لنفسها علناً بأن تتطاول على حدودنا الجنوبية لتهدد قوات التمرد على زوجها الرئيس، أو ذاك الآخر الذي لازال يتلاعب في سياستنا النقدية وأزمتها المروعة اليوم.

كفانا عاراً، ويكفينا غياباً وسلبية. لقد أصبحنا معها جميعاً متفرجا بهيميا على دموية بشر ونهب وطن، سلبية ليس فيها من خاسر إلا أنا وأنت.

_____________________________

- مقالات الكاتب: رافد علي