Atwasat

عودةُ الدُب الروسي

جمعة بوكليب الخميس 13 يناير 2022, 11:21 صباحا
جمعة بوكليب

الفرق بين علماء العلوم التطبيقية ونظرائهم في العلوم السياسية كالفرق بين الطبيب والعراف. وهذا رأي شخصي، قد يجد كثيرون صعوبة في قبوله. ذلك أنه في الوقت الذي يتمكن فيه علماء العلوم التطبيقية من التنبؤ بالكوارث الطبيعية، من زلازل وأعاصير وفيضانات وبراكين وأوبئة ويقدمون تفسيرات علمية مقنعة بأدلة وبراهين، يقضي المختصّون في العلوم السياسية حيواتهم حبيسي تكهنات وتخرّصات، لا أول لها ولا آخر، في محاولة تفسير ما يواجههم من أحداث وتقلبات سياسية.

تذكرت ذلك وأنا أتابع بانزعاج تطورات الموقف على الجبهة الأوكرانية - الروسية، وما يمكن أن ينتج عنه من كوارث لاعلم لنا بها، ولا طاقة للعالم على تحمّلها. التكهنات بلا عدد ولا حساب، لكن ليس فيها ما يطمئن. وعلى سبيل المثال، هل ستؤدي المواجهة إلى قبول الغرب للشروط الروسية، أم أن الرئيس بوتين سيتراجع؟ وهل سنكون شهود عيان في العام 2022 على توقيع اتفاقية يالطا 2 ، لإعادة تقسيم مناطق النفوذ في العالم بين أمريكا وروسيا،

أم سنكون حطباً لنار محرقة كونية ثالثة؟
الموقف الحالي على الحدود الروسية - الأوكرانية، دفع، فجأة، بالمواجهة بين روسيا والغرب إلى مستوى غير مسبوق من الحدّة والخطورة. ولا أحد بإمكانه التكهن، على وجه الدقة، بالمسار الذي من الممكن أن تنحو نحوه الأمور، أو يقدم تفسيرا مقنعاً لهذة العودة العدائية الشرسة للدب الروسي؟
يقول معلقون غربيون إن الرئيس بوتين يريد من أمريكا الآن الجلوس حول منضدة التفاوض، وإعادة تقسيم مناطق النفوذ، بما يتفق مع ما استجد في العالم من ظروف. لأن اتفاقية يالطا الأولى 1945 لم تعد تتسق والظروف الجديدة، وأن الحاجة تدعو إلى التفاهم حول اتفاقية يالطا 2. وفي تحليلاتهم يرون أنه رغم الاستعدادات والتحشيدات العسكرية الروسية على الجبهة مع أوكرانيا، فإن روسيا لا تريد الحرب، بل تنشد سلاماً وفقاً لشروطها، و بضمانة أمريكية. وهم يعتقدون أن التوقيت أحد أهم أساسات الهجوم الروسي. والسبب، أن دول الاتحاد الأوروبي مشغولة في البحث عن حلول لمشاكلها و تحدياتها الداخلية. وأن واشنطن مستغرقة في البحث عن استراتيجية جديدة لمجابهة التنين الصيني، وكيف تمنعه من ابتلاع تايوان. وهذا ما منح الرئيس بوتين الفرصة لشن هجومه.

جولات التفاوض التي تقررت بين أمريكا وروسيا من جهة، وروسيا والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، قد لا تؤدي إلى مخرج من الأزمة الحالية. والذين منّا على دراية بالوضع الدولي، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، يعرفون كيف بدأت خريطة العالم في التغير، ويتذكرون، بلا شك، السرعة التي تحرك بها حلف الناتو شرقاً ليستقطب في عضويته دولاً جديدة، ظهرت على خريطة العالم فجأة، وكانت في السابق جزءا لا يتجزأ من مناطق النفوذ السوفياتي. لكن الطلب الأوكراني بالانضمام للحلف وضع في أدراج الناتو لسنوات، ولم يتم النظر فيه عمداً. التجميد كان ضروروياً، يقول العارفون، لعدم استعداء موسكو.

ولآن موسكو على معرفة بالمثل الذي يؤكد على أن الوقاية خير من العلاج، فإن الوقاية، في السياق المذكور، تقتضي احتلال أوكرانيا، وإعادتها إلى سيطرة الكرملين. وإذا لم يكن ذلك ممكناً، تريد موسكو تعهداً من أمريكا وحلفائها الغربيين بعدم خرق حلف الناتو لمناطق نفوذها، أو تهديد أمنها القومي، بوضع قوات أو صواريخ على مدى قريب من أراضيها.

خلال العشرين عاما التي قضاها الرئيس بوتين في قصر الكرملين، كان الهدف إعادة المجد إلى ذلك القصر القيصري، واستلزم ذلك وضع استراتيجية هجومية تمنع ضرب حصار غربي على روسيا، بهدف عزلها وإضعافها، بإخراجها من المعادلة الدولية.

لذلك، لم تتردد موسكو إطلاقا في الفرصة التي أتاحها لها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حين قرر عزل أمريكا عن العالم، مديرا ظهره لحلفاء الأمس. الانسحاب الأمريكي تسبب في خلق فراغ في منطقة الشرق الأوسط. ووجد الرئيس بوتين الفرصة مواتية. ولذلك، دفع بالقوات الروسية في سوريا على وجه السرعة. كما توغلت موسكو في أفريقيا، سياسياً وعسكرياً في تنافس محموم مع الصين. ووصلت قوات الفاغنر إلى مالي مؤخراً، وما زالت تتخندق في شرق ليبيا. وأخيراً، نقلت وسائل الإعلام الدولية صورا وتقارير عن قوات روسية مدرعة وهي تدخل عاصمة كازاخستان، بناء على طلب من رئيسها، للمساعدة في القضاء على الاضطرابات الشعبية. المعلقون وعلماء السياسة على اختلافهم، إلى حد الآن، لا يستطيعون الإجابة على سؤال: ماذا سيحدث لو فشلت المفاوضات بين واشنطن وموسكو وبروكسل؟

الدُب الروسي، على ما يبدو، لا يفكر في التراجع، بل في اقتناص فريسة أخرى. وعلى واشنطن وحلفائها تدبر الأمر، وبسرعة.

_____________________________

- مقالات الكاتب: جمعة بوكليب