Atwasat

العارض النوستالجي

نورالدين خليفة النمر الخميس 13 يناير 2022, 11:17 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تظهر المتلازمة أو العارض النوستالجي صادماً. فما أنتهى إليه الباحث علي احميدة وهو يخلص في تقريره عن كتابي الدبلوماسية الهولندية ك.ويستر، والباحث الألماني المختص في ليبيا ف. لاخير، إلى أن "تدخل حلف الناتو في ليبيا بغطاء من الأمم المتحدة 2011، ساهم في تدمير الدولة وزيادة معاناة الليبيين إلى درجة أن الكثيرين بدأوا يفتقدون الأمن والاستقرار الدي كانوا يتمتعون به في فترة ديكتاتورية القذافي".

يستند نقاش الباحث علي احميدة في عرضه على رؤية التاريخ، المجال الذي غير به تخصصه الجامعي في السياسة المتحصل عليه من جامعة القاهرة عام 1977 وهو يكتب عن "المجتمع والدولة والاستعمار في ليبيا1830 ـ 1932" أطروحته للدكتوراة في أمريكا، التي كرس فيها صفحات في نقد النظرية الانقسامية التي تبدو واضحة في عنوان كتاب ف.لاخير " تقسيم ليبيا: التركيبة والمسار في الصراع العنيف".

المتبنون للنظرية الانقسامية من الباحثين الغربيين أمثال ف.لاخير ما يفوتهم، حسب احميدة، هو فهم كيف يمكن للمجتمع الليبي، مع كل الكوارث التي واجهته ومازالت تواجهه، أن يستمر رغم غياب الدولة والشرطة والجيش. وحسب رأيه أن الأمر لا يتعلق بغياب الدولة، ولكن بوجود تقاليد خفية وخلاقة تسمح بالحكم الذاتي.

لضرروة الاختصار نركز على عرضه لكتاب ك. ويستر، الذي يتتبع تطور مبدأ حق الأمم المتحدة في حماية المدنيين وتطبيقه في حالة تدخل حلف الناتو العسكري في ليبيا في 10 مارس 2011. والباحث العارض يشكك عكس الكاتبة في "أن ذلك التدخل كان ضرورياً لحماية حقوق الإنسان للمدنيين من عملية قتل واسعة محتملة وإبادة في بنغازي“. وتشككه يستند على ما يصفه بالدراسات المهمة المعارضة للفرضية ككتاب : هوراس كامبل «حملة الناتو الدولية والفشل الذريع في ليبيا»، 2013 ومقال كريستوفر ديفيدسون بدورية ميدل ايست بوليسي2017 «لماذا تم بالفعل الإطاحة بالقذافي».

فكما بينت ك. ويستر أن المبدأ الجديد القائم على «الحق في الحماية» تطور بعد فشل القوى الغربية والأمم المتحدة في التدخل لمنع حرب الإبادة في رواندا العام 1994. وعلى ضوئه نشأت العديد من التغيرات في القانون الدولي، أبرزها إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في 1998، التي تتحقق من الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون داخل الدول القومية المستقلة. مما أفسح لاحقاً لللاعبين الدوليين دوراً في الحروب الأهلية بفرض قيم حقوق الإنسان بغض النظر عن سيادة الدول. وبعد مناقشات تبنت الأمم المتحدة مبدأ حماية المدنيين في سبتمبر 2005. وأن المبدأ يفترض أن الأمم المتحدة مسؤولة عن التدخل لحماية المدنيين في الحالات التي تتضمن حروب إبادة فجة وجرائم حرب وتطهيراً عرقياً وجرائم ضد الإنسانية.

من منطلق قراءته التي تنسحب منها الرؤية النقدية، يجادل علي احميدة الكاتبة في النقاط السالفة التي أوردتها، لتفسح محاججته المجال لقراءة "تاريخانية". فهو يعيب على الكاتبة افتراضاتها المنبثقة من رؤيتها الأوروبية للأزمة الليبية، التي هي مليئة بالتناقضات، كما أن النتائج التي انتهت إليها غير مقنعة، خاصة إذا تم الرد عليها بأدلة مضادة، يستلهمها من تصريحات ساسة الغرب المسؤولين على تطبيق ذلك المبدأ الجديد الداعي لحماية المدنيين، للمرة الأولى عام 2011 في ليبيا. فهو يستند على مايصفه: "اعتراف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بارتكابه خطأ حين قرر الموافقة على التدخل في ليبيا، ووصف ذلك القرار بأنه الخطأ خلال فترة رئاسته. وأدى فشل إدارته في التخطيط لمرحلة ما بعد التدخل إلى استيلاء الجماعات المتشددة على ليبيا“.

بإيراده التصريح كحجة وتأويله له حسب فهمه التاريخاني يتجلى المعنى الضيق للتاريخانية بصفتها الرؤية التي تُخضع الحدث التغييري لقوانين التعاقب غير المشروطة التي تعطيه وجهة أو اتجاها . فالخطأ الدي يعترف به الرئيس أوباما ليس في مبدأية التدخل كدافع قانوني ودولي وإنساني، ولكن في فشل إدارته في التخطيط لمرحلة ما بعد التدخل. وهنا الخطاب موجهٌ إلى منتقديه من الحزب الجمهوري ويلمح إلى حادث القنصلية الأمريكية في بنغازي 2012، ومقتل السفير الأمريكي الذي تُلقى الشبهات فيه على الجماعة الليبية الإسلامية المتشددة. ولكن في مقابل هدا التصريح، يأتي تصريح وزيرة الخارجية هـ. كلينتون التي قاسمت رئيسها قراره والنتائج التي أسفرت عنها محاججة المنتقدين بأن أمريكا لو لم تتدخل في ليبيا عام 2011 لشهد العالم ماهو أفظع من المأساة السورية. والوزيرة كلينتون أدرى من رئيسها أوباما كونها عايشت مع زوجها الرئيس الأمريكي السابق بيلي كلينتون قراره مارس عام 1999 بالتدخل في كوسوفو الذي اعترف بأنه ليس أمراً هينا، بل قرارٌ صعب، ولكنه القرار الأفضل.

المأخد الثاني على عرض الباحث احميدة، حسب موقفه التاريخاني، هو أخلاقيته التي ترى في التاريخ، بصفته مجموع الوقائع الإنسانيّة، مخبرا للأخلاق وبالتالي للسياسة. فالتاريخاني، عكس السياسي، لا يُعنى بالحقيقة الواقعة أمام ناظريه والموقف السياسي العملي منها، بقدر ما يُعنى بالسلوك ونتائجه اللاحقة التي ربما سارت عكس دوافعه المبدأية. وهدا ما رأيناه صادماً في خلاصته التي افتتحنا بها المقال، والتي تتبنى موقفاً متراجعا نحو ديكتاتورية نظام القدافي نوستالجيا توفر بالترغيب للموالين وبالقمع والترهيب لعامة الليبيين الحد الأدنى من الأمن والاستقرار الذي كانوا يتمتعون به في الأربعة عقود من ديكتاتوريته.

لترسيخ هده الدوغما الأخلاقية ينعى ع. احميدة على ك. ويستر تجاهلها كفاح الشعب الليبي ضد الاستعمار، وتجربة ليبيا البشعة ومعاناتها من الاستعمار، وهو ما زعمه في كتابه بـ "حرب الإبادة في ليبيا" الصادر في عام 2020. كما أنه يطعن في مصداقيتها كباحثة أوروبية بأنها تتقبل ما يتردد في الإعلام والدراسات الغربية التقليدية بشأن تاريخ ليبيا ومجتمعها وتركز على التقاليد والنفط والقبلية والقذافي والإرهاب" . وكأن هده العناصر ليست حقائق ملموسة، بعضها تاريخية ليبية صميمة وبعضها صنعها رأس النظام الدكتاتوري الساقط عام 2011 وكرسها عقبات صعبة في طريق تحول ليبيا بعد 4 عقود من دكتاتوريته إلى دولة مدنية ديمقراطية.

_____________________________

- مقالات الكاتب: نورالدين خليفة النمر