Atwasat

«اعْقاب»!

صالح الحاراتي الخميس 06 يناير 2022, 11:29 صباحا
صالح الحاراتي

كلمة من لهجتنا المحلية وتعنى بقية أي شيء.. وتستخدم للتحقير والتقليل من شأن أي شيء، كما تستخدم للسخرية والاستهزاء بغرض الإهانة أو الاستفزاز لأي شّخص.

أظن أن أصلها من عُقب:

والعُقْبُ: آخر كلِّ شيءٍ وخاتمته
عُقْبُ السِّيجَارَةِ: مُؤَخِّرُهَا الْمُتَبَقِّي مِنْهَا.
وهناك فى القاموس
أعقاب الأمو: أواخرها.
العَقِبُ ايضا: عظم مؤَخَّر القدم.

نعود لمعنى الكلمة الدارج والذى يستخدم كما اسلفنا للتقليل من شأن الآخرين وسؤالى، وعندما نصف أحدا بكلمة "اعقاب".. هل يمنحنا ذلك التقليل من شأن الآخرين ما لم نتمكن من بلوغه شعوراً مريحاً؟ وهل يعيد ذلك إلى نفوسنا التوازن الذي اختل نتيجة ما مسنا من إحباط لعدم قدرتنا على الوصول إلى هدف أو تحقيق رغبة؟ وهل (يلطف) من أثر التوتر الناجم عن الفشل، وهل- الطعن بمن نجحوا، أو الاستهزاء بهم، أو تشويه صورتهم، أو التقليل من قيمة ما حققوه ووصلوا إليه - يعتبر نجاحا لنا؟.

ام أن الأمر فى حقيقته يتعلق باستعلاء عنصري وكأننا نتميز عن الآخرين من الشعوب بنقاء عنصري أو"هوية" مكتنزة بقيم تشكل فى مجملها شعورا بالتعالي والتميز.

معلوم أن الهويَة تتحدّد من خلال جملة من الالتزامات المشتركة، كالالتزام الروحي والأخلاقي أو الانتماء إلى (جماعة بشرية) محددة أو إلى (تراث) معين، والاهتمام والاعتزاز بالهوية أمر لابأس به، ولكن الاستغراق فيه قد ينتج حالة من الوهم الجمعي وسلوكا يسوده الاستعلاء والعنصرية.

ومن مخاطر "الإيغال" فى النظرة اأحادية للعالم بدخول نفق تصوّر يقول بـ "المركزيّة الثقافيّة" أي أن مجتمعا بشريا ما يتصوّر معظم أفراده ويؤمنون بتفوّق ثقافتهم السائدة واعتبارها مركزا ونموذجا ومعيارا للحكم على مدى تحضّر الشعوب الأخرى، وهو تصوّر يغالي في اعتبار الخصوصيّة التي ينتمون إليها "مثلا أعلى" الأمر الذى ينتج نزعة عنصريّة لا أظن أننا بحاجة لها فى عالم صار قرية كونية.

كلنا نعلم ونرى بأم أعيننا الرؤية السائدة لدينا للآخر"اعقاب تونسى، واعقاب تشادى" وغير ذلك من شائع الالفاظ والمسميات التى تنم عن الاستعلاء المرضي، ذلك الذي يؤدّي إلى رفض الآخر واحتقار هويّته ومقوّماتها.. فالتعصّب ما هو إلا انغلاق على مقوّمات الخصوصيّة واعتبارها مصدر اليقين والرقي والتقدّم.. وينتهي الأمر إلى التعصّب والوثوقية dogmatism
وهى الفكرة أو الرأي الذي لا يقبل فيه صاحبه المراجعة أو إعادة النظر.

في تقديرى أن عقدة الاستعلاء إحدى الطرق التي يستخدمها الشخص الذي يشعر بمركب الدونية للإفلات من الصعوبات التي يواجهها، فيدعي أنه الأفضل وهو في الحقيقة ليس كذلك، وهذا الادعاء الكاذب يعوض حالة الدونية التي لا يمكنه تحملها.
العنصرية من الأمراض النفسيه المستعصيه التي تنتشر كالنار في الهشيم في مجتمعنا.. وهي آفة مستعصيه لأنها متغلغه في اللا شعور الجمعي وأظنها وليدة ثقافة تحمل التمييز والعنصرية كما أسلفت.

وعلى المستوى الفردي، نجد الشخص العنصري لا يشعر بالقدرة التي تمكنه من التنافس مع الآخرين بشكل إيجابي، ولا يشعر بالتناغم مع المجتمع، فيشعر بالضعف، ولا يجد سبيلا لحل مشكلات حياته إلا بطريقة التقليل والاستهزاء بالآخرين لتحقيق "الأنا" المريضة الخاصة به، عندها تتكوّن لديه عقدة الاستعلاء، وتكون هذه العقدة إحدى الطرق التي يستخدمها الشخص الذي يشعر بالدونية، للوصول إلى التوازن النفسي.

لفظ "اعقاب" الذي نستخدمه لتحقير الآخرين، هو في تقديري عنوان للاستعلاء المرضي الذي تولد في مجتمعنا ضمن جملة من السلبيات التي أتى بها اقتصاد "النفط "من ناحية بالإضافة إلى الثقافة الموروثة التى تعلي من شأن صاحب المال والجاه والنسب ومتشبعة بإبجديات التمييز والعنصرية.

في عام 1965، اعتمد المجتمع الدَّوْليّ الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي التزم بموجبها بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، ومع ذلك فلا يزال هناك في "كل أرجاء العالم" الكثير ممن يعانون مظالم العنصرية وما تستتبعه من ظلم وإجحاف.