Atwasat

في ذكرى استقلال ليبيا، تساؤلات تحتاج النظر

آمنة القلفاط الأربعاء 29 ديسمبر 2021, 11:37 صباحا
آمنة القلفاط

نالت ليبيا استقلالها بمجهودات مضنية، واستطاعت في فترة زمنية قصيرة البدء في ترسيخ أعمدة دولة حديثة. ما لبثت أن تداخلت المصالح الضيقة وضيق الأفق ولم تتم المحافظة على المكتسبات التي تحققت.

تزامناً مع حرب الأيام الستة سنة 1967 تصاعدت موجات غضب شعبي عمت عديدا من الدول العربية من بينها ليبيا في شكل تظاهرات واعتصامات واضطرابات مختلفة. كانت الحكومة الليبية في تلك الفترة برئاسة السيد حسين مازق عندما اندلعت الاضطرابات التي انتشرت غرب البلاد وشرقها والتي وصلت حد التهديد باقتحام القاعدة الأمريكية في ليبيا.

أعلنت الأحكام العرفية وأقيل رئيس الحكومة على تداعيات الفوضى الشعبية وطلب من السيد عبد القادر البدري أن يشكل الحكومة خلفاً للسيد حسين مازق. فشلت رئاسة الحكومة الجديدة في احتواء تداعيات الأزمة وامتصاص غضب الشارع، فطُلب من السيد عبد الحميد البكوش تشكيل الحكومة.

للسيد عبد الحميد البكوش بصمات واضحة على الحياة في ليبيا، وقد كانت فترة رئاسته للحكومة حافلة بعديد المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالرغم من مدتها الزمنية القصيرة، فقد أُقيل من منصبه بعد عام واحد مع مآثر تلك الحكومة. لحكومة السيد البكوش بصمات أعادت توازن الدولة الوليدة، وأنقذت البلاد التي كانت تترنح تحت وطأة التغييرات والتنافس الدولي وقلة الخبرة السياسية في التعاطي مع تلك المتغيرات الدولية والاستفادة منها لصالح البلاد.

السيد عبد الحميد البكوش كان الأصغر سناً بين جميع من تولوا منصب رئاسة الحكومة فهو من مواليد طرابلس ١٩٣٣. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة وشغل منصب وزير العدل في حكومة السيد محمود المنتصر الثانية، وهو شاعر وله عدة قصائد في حب الوطن. تولى منصب رئيس الحكومة الليبية في فترة حرجة من تاريخ البلاد والمنطقة العربية.

يمكن القول إن توليه لمنصب رئاسة الحكومة كان آخر محاولة لإنقاذ البلاد من التردي الذي تسارع بعد ذلك. فلماذا كان ذلك؟ وما الأسباب وراء إقالته وهو كما قيل فيه من حيث إعادته لتوازن الدولة؟.

قام عبد الحميد البكوش بمحاولات جادة لإصلاح البلاد من حيث: التعليم وإصلاح المناهج. وضع أسس مشروع لترسيخ الشخصية الليبية ووضع الإطار العام للهوية الليبية، المبني على الانتماء والوطنية الليبية، وتقليل دور بقية الانتماءات تحت مظلة الوطن الجامع. من حيث الإصلاحات الاقتصادية فقد أقر علاوة السكن وعلاوة الزوجة والأبناء واستمرت بعد ذلك كما أقرها، استكمل العمل في مشروع إدريس للإسكان الذي شمل بناء عشرات الآلاف من المنازل والوحدات السكنية في كل البلاد.

عزز الإنفاق الحكومي في البنى التحتية واستكمل مشاريع الخطة الخمسية مثل الطريق الساحلي. يمكن وصف عهد رئاسته للحكومة بأن البلاد كانت ورشة إعمار؛ فملعبا كرة القدم في طرابلس وبنغازي لا زالا أكبر الملاعب في ليبيا ولم يبنَ غيرهما فيما بعد رغم المداخيل الهائلة التي دخلت البلاد. كما تم في فترة رئاسته للحكومة، دعم وتحديث وتسليح الجيش الليبي.

رئاسته للحكومة هدأت الشارع الليبي، وجعلت الأنظار تتجه للبناء والإعمار وتغيرت المفاهيم واتحدت حول أولية الوطن والتوافق حول المصلحة العليا. لقد أعاد اتزان الدولة بأدوات حقيقية. هنا يأتي السؤال، لماذا أقيل من منصبه وله كل هذه المآثر والمنهجية السليمة المطلوبة لمن يتقلد هذا المنصب؟ وكيف كان آداء الحكومة التي تلته؟

لا يوجد سبب واضح ومنطقي ومقنع لهذا الإعفاء. إذا حاولنا الاجتهاد ووضع كافة الاحتمالات والقرائن الممكنة، نجد أن الإعفاء الوظيفي جاء قبل عام واحد من تغيير سبتمبر ١٩٦٩. فهل لهذا علاقة بذاك؟ وهل حكومة السيد البكوش كانت ستكون عقبة أمام ذلك التغيير؟ أم أن وجوده على رأس الحكومة قد يتجه بالتغيير في اتجاه آخر.

العام الأخير الفاصل بين إزاحة البكوش من منصبه وتغيير سبتمبر، تخللته عدة أحداث داخل ليبيا، أدت إلى تقويض النظام الملكي وساعدت على تهيئة الناس لاستقبال تغيير سبتمبر بترحاب منقطع النظير. أهم هذه الأحداث أن حكومة السيد ونيس القذافي لم تكن تملك الرؤية والأساليب التي عمل بمقتضاها البكوش في التغيير ولا منهجيته في العمل وأولوياته في التنفيذ، بحيث يكمل ما بدأه الأول؛ خاصة وأن ثمار عمله في عام واحد قد ظهرت واستبانت. ومنها كذلك تزايد التحركات الدولية والصراعات حول ليبيا.

ومنها كذلك الصراع بين الشركات النفطية العملاقة في ذلك الوقت الذي تمثل في الصراع بين بعض الشقيقات السبع وشركة الاكسيدنتال التي هيمنت على ما يقرب من ثلث الإنتاج النفطي في ليبيا في ذلك الوقت. يبدو أننا دفعنا ثمن إبحارنا عكس الرياح الدولية، وعدم قراءتنا وربما حتى معرفتنا لقيمة موقعنا الجغرافي وأهميته الدولية. هناك فرق كبير بين التفكير الرغبوي والواقعي في التعاطي مع الشأن السياسي وهو نفس ما يتصف به متصدرو المشهد الحالي فلا هم آباء ولا هم مؤسسون. هم مجموعة قدم لهم الربيع العربي الفرصة، ووضعهم في موضع هو أكبر بكثير من إمكانياتهم.