Atwasat

بريطانيا: هل حانت ساعة جونسون؟

جمعة بوكليب الخميس 23 ديسمبر 2021, 12:48 مساء
جمعة بوكليب

المشهد السياسي البريطاني، في الفترة الأخيرة، بدا كمن أصيب بلوثة جنون، وصار من الصعوبة بمكان التنبؤ بتطوراته لشدة سرعتها.

البداية كانت في قضية فساد تورط فيها نائب محافظ. تلاها تدخل رئيس الحكومة لحمايته، عبر منع البرلمان من معاقبته، بمطالبة نوابه بالتصويت ضد عقوبة منعه من حضور الجلسات لمدة شهر. ثم المسارعة بصياغة مشروع قانون تغيير منظومة المعايير السلوكية البرلمانية، وتراجعه في اليوم التالي، بسبب الغضب الذي نجحت في إثارته من كل أطياف البرلمان ومن خارجه. بعدها، ظهرت فضيحة حفلات أعياد الكريسماس في العام الماضي في مقر رئيس الحكومة، وفي غيرها من الوزارات، في تعارض مع القوانين الصادرة بعدم إقامة الاحتفالات في البيوت والشركات والمؤسسات. وقام السيد رئيس الوزراء جونسون بتعيين مسؤول للتحقيق في الأمر، وتبين فيما بعد أن احتفالاً أقيم في مكتب المسؤول عن التحقيق نفسه، فاضطر إلى الانسحاب من المهمة. وأخيراً، جاءت الهزيمة الانتخابية المذلة في دائرة شمال شروبشاير، وهي دائرة انتخابية محافظة منذ 200 عام تقريباً، فكانت الضربة التي كادت تقصم ظهر السيد جونسون.

ومن المرجح أن السيد جونسون يعاني، حالياً، من حالة يمكن وصفها بـ "فوبيا بروتس." والمعنى، أن معرفته بالتاريخ تجعله يتوقع أن خنجراً بروتسياً يشحذ ويعدّ، تأهباً ليغرس في ظهره ذات يوم قريب.

يوليوس قيصر كان يعرف صديقه "بروتوس"، ولم يكن يتوقع طعنته القاتلة، نتيجة لخطأ في الحسابات، ودفع الثمن. ومشكلة السيد بوريس جونسون أنه يعرف أن الطعنة القاتلة قادمة. لكنه لا يعرف مَنْ مِن وزراء حكومته سيكون المرشح للعب دور القاتل "بروتوس."

منتقدو السيد جونسون يقرون بأنه قط بأرواح عديدة. خلال تواجده في بروكسل مراسلاً لصحيفة التايمز طرد من عمله، بعد أن تبين أنه يفبرك تصريحات وأقوال ويسندها لمسؤولين. لكنه بعد سنوات قليلة أصبح رئيسا لتحرير أهم مجلة سياسية أسبوعية يمنية محافظة. وخلال فترة عمله كناطق باسم حزب المحافظين طرد من منصبه لكذبه حول علاقاته الغرامية. لكنه عاد بعد سنوات ليصير عمدة لمدينة لندن، ولفترتين. وبعدها يقود حملة الاستفتاء ضد البقاء في الاتحاد الأوروبي ويفوز بها. ويتوج انتصاراته بتوليه رئاسة الحزب ثم الحكومة عقب فوزه بالانتخابات في ديسمبر 2019، وبأغلبية برلمانية يحسده عليها السابقون واللاحقون كذلك من رؤساء الحكومات.

السيد جونسون على وعي بطبيعة الحزب الذي ينتمي إليه. وعلى معرفة عميقة بالوقائع الموثقة تاريخياً لكل من تولوا الزعامة. ويعرف كذلك، أن الحفاظ على حياته كزعيم، يتطلب منه شحذ سيفه، لحسم ما سيواجهه في العام 2022 من مؤامرات، بدأت تُحاك فعلياً للتخلص منه. وأن "البروتسيين" يتكاثرون من حوله، ومن الجنسين، لتوجيه الطعنة القاتلة. البعض من نواب حزبه البارزين يطالبونه بتغيير أعضاء الفريق المحيطين به في داوننج ستريت، واستبدالهم بآخرين مجربين من وزن ثقيل. والبعض الآخر يرون أن المشكلة ليست في أعضاء الفريق بل في "كابتن" الفريق. وواقعياً، فإن "الكابتن" جونسون، متسلحاً بخبراته وتجاربه، ليس في حاجة إلى نصائح من نواب مقاعد خلفية خاملين، وهذه حقيقة ولكنها بوجهين. الوجه الآخر منها هو أن النواب الخاملين قادرون على التخلص منه برميه أمام عجلات أول حافلة عابرة. في الأسبوع الماضي، تآمر 100 عضو منهم، وصوتوا ضد مشروع قانون "الخطة ب" لمقاومة الفيروس. ولولا أصوات نواب حزب العمال، لكانت الخطة في خبر كان. وضاعت كل توسلاته إليهم بدعم الخطة، لدى اجتماعه بهم قبل التصويت بساعة.

المعلقون الإعلاميون يقولون إن السيد جونسون محظوظ لأن وجود البلاد في منتصف أزمة صحية، بسبب استفحال المتحور أوميكرون، جعل من المستحيل على نواب حزبه فتح الأبواب أمام منافسة على الزعامة. لكن المعلقين أحياناً، وفي خضم أزمة، ينسون تماماً حقيقة أن "للرايس" حسابات تختلف عن حسابات غيره. لأن منصبه يؤهله لأن يكون على دراية بنوعية كل أوراق اللعب في أيدي خصومه. ويعرف متى يحين الوقت ليلقي بالورقة الرابحة والأخيرة، التي لا يملكونها. تلك الورقة مازالت في يد السيد جونسون. وهذا، على وجه الدقة، ما لا يغيب عن بال نواب المقاعد الخلفية، ولا يجهله المعلقون والمحللون.

في نهاية الأسبوع الماضي، عاد النواب من جميع الأحزاب إلى بيوتهم.، وأغلق البرلمان أبوابه، استعداداً لاحتفالات أعياد الميلاد، تاركين المساحات الإعلامية في الصحف والإذاعات والقنوات التلفزية لتستحوذ عليها أخبار تطورات الفيروس كورونا في آخر تحوراته القاتلة. لكن 10 داوننج ستريت - مقر رئيس الحكومة - لا يغلق أبوابه، ولن يعرف راحة، لأن المقيمين داخله يدركون أن استمرار وجودهم بين جدرانه يتوقف على مدى نجاحهم في التخطيط لتفادي ما يتوقعون من ضربات قادمة، والإعداد للقيام بهجوم مضاد.