Atwasat

رحلة إلى مجهول

جمعة بوكليب الخميس 09 ديسمبر 2021, 05:51 صباحا
جمعة بوكليب

ماذا يا تُرى سيكون رد فعل القائد الفينيقي حنبعل، لو كان حياً، وعلم أن كل الطرق، هذه الأيام، لا تقود إلى روما، كما ظل يأمل ويشتهي؛ بل إلى «الكريسماس؟» وهذا «الكريسماس»، وفق الروزنامة السياسية الليبية، يعني موعد إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وأينما وليت وجهك، في مختلف الطرق التي يصادف أن تمر بها، ستقابلك علامات، وكلها تشير إلى نفس الاتجاه. نحن الليبيين و«الكريسماس» أصحاب من زمان. ولنا معه ذكريات حلوة لا تنسى. ويكفي أن خروج بلادنا من عتم المرحلة الاستعمارية إلى نور شمس الحرية والاستقلال تزامن مع حلوله في مثل هذا الشهر من العام 1951. وكأن الاستقلال هدية «كريسمسية» وصلتنا مغلفة بالأمنيات الطيبة من الأسرة الدولية. «الكريسماس» هذا العام سيكون مقترناً بانعقاد انتخابات رئاسية تعقد لأول مرة. وهي، في رأيي، أشبه ما تكون برحلة إلى مجهول.

والمسافرون في رحلات من هذا النوع تعتريهم مشاعر مختلطة، تكون عادة مزيجاً من توق وفرح وخوف. التوق إلى الرحلة والفرح بها. والخوف مما قد يواجهون خلالها. لكنهم يدركون أن لا خيار آخر أمامهم.

ما يميز الطرق التي تقود إلى «الكريسماس» هذا العام 2021، أنها مختلفة عن تلك التي كانت تقود حنبعل وقطيعه من الأفيال، وجيشه العرمرم قاصدة بهم مدينة روما. الاختلاف هو أن طرق هذا العام لا تتجه من قرطاجنة شمالاً؛ بل تتجه شرقاً لتمر بليبيا، ولتكون شاهد عيان، إما على خروجنا من مأزق عنق الزجاجة الذي حُبسنا بداخلها لعشر سنوات، أو لدخولنا قَسراً، مرة أخرى، في عتم نفق جديد، قد يفضي بنا وبالبلاد - لا سمح الله - إلى نهاية/ هاوية أخيرة.

تسع وستون عاماً تمثل المسافة الزمنية بين احتفالات «الكريسماس» العام 1951 واحتفالات هذا العام. والذين صدف وأن حضروا الأولى، وأمد الله في أعمارهم وما زالوا أحياء، ستتاح لهم فرصة تاريخية لحضور انتخابات رئاسية مثيرة للجدل. ومن الطبيعي جداً لهم المقارنة بين المناسبتين. الأولى شهدت انبثاق وميلاد دولة جديدة على خريطة العالم. والثانية لا أحد يعرف على وجه الدقة عما ستسفر. وحتى لا نتهم بالتشاؤم، ندعو الله أن تكون مناسبة تعيد لنا بلادنا ووحدتنا، وتضع عربة قطارنا على قضبان سكة طريق تقودنا إلى مستقبل أقل سوءاً مما عرفنا خلال نصف قرن أو يزيد.

أراهن أن احتفالات «الكريسماس» هذا العام، في بلدان الغرب، لن تختلف كثيراً عن سابقتها في العام الماضي، بسبب استمرار الجائحة الفيروسية في تحوراتها المحيرة والمخيفة. لكني لن أراهن على انعقاد ونجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأن للمراهنة شروطاً. والحذر ديدن المراهنين. ولذلك، سأتخذ من الحذر درعاً تقيني سهام الطائشين من المعلقين والمحللين، ممن ألقوا بكل بيضهم في سلة واحدة. وكنت سأقبل بالمراهنة على انعقادها ونجاحها لو توفر لها الحدّ الأدنى من تلك الشروط. وأولها وفاق واتفاق يجمع كافة الأطراف المتصارعة، بما يضمن قبولهم بالنتائج. الحذر أيضاً يتدخل لمنعي من المراهنة على قبول قادة الجماعات المسلحة لفكرة خروجهم من الساحة، ودعمهم للعملية السياسية، وقبولهم بتفكيك قواتهم ومعسكراتهم وتسليم ما لديهم من أسلحة، والرضوخ لمشيئة أبناء شعبهم، في حالة انعقادها ونجاحها. ولأننا عجناهم وخبزناهم طيلة سنوات، فنحن أعلم بهم وبطبعائهم من غيرنا. ولذلك، نحن لا نحبهم، ولا نثق بهم، وهم، على أي حال، يبادلوننا نفس المشاعر، ولا يخفون ما في صدورهم من غل نحونا. ولتلك الأسباب مجتمعة، فإنهم دوماً يبحثون عن أي ذريعة لإفشال مشروع قيام الدولة. وسيعملون معاً، متناسين كل خلافاتهم وصراعاتهم، من أجل ألا ترى النور. وإذا كانت كل الطرق ستقود إلى الانتخابات - هذا الكريسماس - فمن الأولى لنا الدعاء، والتضرع إلى الله أن يقينا شرّ ما سيتلوها أو ما سيسبقها من أحداث غير مسرة، ترتكبها أياديهم الآثمة.

ومن غير الضروري المبادرة بتقديم نصيحة لغيري تدعو إلى الاستعداد لربط أحزمة مقاعدهم منذ الآن احتياطاً، قبل الشروع في الرحلة المقررة عليهم دولياً. لكني، شخصياً، سأحكم رباط حزام مقعدي، لأن من سمعوا (بمخلاة عبدالجليل) ليسوا كمن عرفوها، وعلى علم ودراية بما احتوت!

الانتخابات، في حد ذاتها - ليست عصا النبي موسى عليه السلام، لكنها وسيلة تفضي إلى غاية، إن صفت نوايا القلوب، بإتاحة فرصة وإمكانية انتقال سلمي للسلطة، وسلام يضمن فرصة استقرار وعيش مشترك بين مختلف فئات المجتمع، بعيداً عن قعقعة السلاح، وقريباً من التراضي، وبما يضمن إدارة الصراع بينهم سلمياً. لكنها، أيضاً، وهو المهم، لن تكون مجدية ما لم تكن مستندة على أسس دستورية متفق عليها، وما لم تكن حرة ونزيهة، وتعقد في أجواء آمنة، ويقبل الجميع بنتائجها. وعدم توفر هذه الشروط، يجعلنا أقرب ما نكون إلى أولئك المسافرين، الذين جلسوا على مقاعدهم في طائرة، ويعلمون مسبقاً أنها قريباً ستقلع بهم نحو مجهول. لذلك، وحرصاً على السلامة، من المفيد لنا ربط أحزمة المقاعد وبإحكام.