Atwasat

التجربة البرلمانية في ليبيا (1908-1969) - (13)

سالم الكبتي الأربعاء 08 ديسمبر 2021, 12:35 صباحا
سالم الكبتي

بدأت الانتخابات في برقة كما جرت تماما في الولايتين طرابلس وفزان في اليوم التاسع عشر من فبراير 1952. وجرت في المناطق الانتخابية الحضرية والريفية. وكان السيد عبدالله أحمد بالعون مدير عام الداخلية في برقة مراقبا عاما للانتخابات وقام بمتابعة مايتصل بها في تلك المناطق عن طريق مساعديه وقد أعد في اليوم الثالث والعشرين من فبراير تقريرا مفصلا وأرسله إلى ناظر الداخلية في الولاية السيد حسين مازق. وفي أول التقرير أشار السيد بالعون بأن الانتخابات النيابية انتهت بصورة تدعو إلى البهجة والسرور من حيث النظام والسكينة والهدوء وعدم وقوع مشاغبات أو قلاقل خلالها وطلب دراستها وإحالتها إلى الجهات المختصة في الدولة (الديوان الملكي. الولاية. الحكومة) لتنال العناية التي تستحقها عندما يشرع في وضع قوانين انتخابية في المستقبل لفائدتها في سير الانتخابات على الوجه المطلوب.

وكان هناك ضيق في الوقت المحدد للتسجيل من قبل الناخبين فقد حصل بعض الارتباك في ذلك لأن إعلان وزير العدل في الحكومة الاتحادية الخاص بالشروع في عملية التسجيل صدر قبل الإعلان المتعلق بالكيفية التي يتم بها توزيع الدوائر الأنتخابية. وفي الواقع لم يكن ذلك إرباكا كبيرا فقد زار بنغازي في تلك الفترة رئيس الحكومة الاتحادية وعند علمه بالأمر أبرق إلى طرابلس بمد فترة التسجيل أسبوعا آخر وقد تم ذلك فعلا واستعملت هنا بطاقات تعرف ببطاقة التسجيل وفضلا عن اعتبارها إيصالا عن الطلب للناخب فإنها سهلت في الوقت نفسه إيجاد اسم الناخب في السجل يوم التصويت ودلت التجارب على أن مثل هذه البطاقة ضرورية ومفيدة للغاية واقترح التقرير أن ينص عليها في القوانين الانتخابية التي توضع في المستقبل. ولاحظ المراقب أنه أثناء جولته في مختلف المناطق الانتخابية لاحظ أن أسماء كثير من الناخبين كانت مكررة في أكثر من مركز اقتراع داخل نطاق الدائرة الانتخابية وعند التحريات من جانبه للوقوف على حقيقة الأمر اتضح له أن ماحدث كان بحسن نية واكتفى بشطب الأسماء المكررة فقط وأكد في تقريره على أن مثل هذا العمل تترتب عليه نتائج وخيمة قد تؤثر على نتيجة الانتخابات. فقد تقرر استعمال تركيب كيماوي يوضع على أصابع الناخبين بعد إعطاء أصواتهم مباشرة للحيلولة دون تصويتهم مرة أخرى ولوضع حد لأي تلاعب. وفي الواقع فإن هذا الإجراء الجديد قوبل بارتياح من مشائخ القبائل ورؤسائها. كما نبه إلى أن الموطن الأصلي في هذه الإجراءات للناخب هو المحل الذي ولد فيه وليس والديه أو أجداده.

وفي مرحلة الطعن ضد الناخبين التي تمت بعرض سجلاتهم على الجمهور للاطلاع والتوكيد لمدة إسبوعين اعتبارا من 31 ديسمبر 1951 إلى 13 يناير 1952 أشير في التقرير إلى أن جميع الاعتراضات التي قدمت فصلت فيها اللجان المعينة لهذا الغرض بصورة مرضية وكانت قراراتها نهائية وغير قابلة للاستئناف.

وأعقبت هذه المرحلة مرحلة أخرى هي مرحلة الترشيح التي ابتدأت يوم 15 يناير 1952 وانتهت ظهر يوم 29 منه وقد انسحب من هذه المرحلة ثلاثة من المتقدمين وهم :1. أحمد رفيق المهدوي. 2. سعيد جربوع. 3.ونيس البرغثي.

أحمد رفيق شاعر الوطن (الذي سبق له الترشيح في مجلس نواب برقة في يونيو 1950 ولم يفز.. لم توفق القبيلة في ذلك أمام منافسه فخسر الجولة) والذي هتف بالقول:
حكم ضميرك أنت حر وانتخب ... خير الرجال لمجلس النواب
لايمنعنك من أداء شهادة ... حب القبيلة أو هوى الأحزاب

انسحب من هذه الانتخابات بعد فوات المدة القانونية مع فقده للتأمين الذي دفعه وقد وقع تعهدا بذلك. واحتراما لتاريخه الوطني عينه الملك في أول مجلس للشيوخ في مطلع مارس 1952. فيما تنازل الثاني لمنافسه عن دائرة المرج بمحض إرادته واختياره. وقد وقع هو الآخر تعهدا وفقا للإجراءات المتبعة. أما الثالث فكان قد طُعن في ترشحه واعتبر باطلا وسيرد ذلك بالتفصيل في مرحلة الطعن ضد المترشحين. وفي الواقع فإن قانون الانتخابات الذي تم العمل به نص على أنه يجوز للمترشح في المناطق الحضرية أن ينسحب قبل الساعة الواحدة ظهر يوم الترشيح لا بعدها كما يجوز للمترشح في المناطق الريفية أن يسحب ترشيحه داخل خمسة أيام من ظهر يوم الترشيح على الرغم من صراحة القانون في هذا السياق بأنه لا يفرض على المترشح أن يستمر في ترشيحه رغم رغبته.

وحلا لهذه الإشكالية والالتباس اقترح السيد بالعون أن يكون للمترشح على حد سواء في المناطق الحضرية أو الريفية حق الانسحاب داخل ثمانية وأربعين ساعة من ظهر يوم الترشيح ويسترد تأمينه ويجوز له أيضا أن ينسحب بعد مضي هذه المدة وقبل يوم التصويت، على أنه في هذه الحالة يفقد التأمين الذي دفعه.
توالت المراحل بدقة ومتابعة ووصلت إلى مرحلة الطعن ضد المترشحين وقد حدث أن تقدم المترشح صالح مسعود بويصير ضد منافسه الحاج ونيس البرغثي بدائرة توكرة الانتخابية التي استلمت لجنتها هذا الاعتراض أو الطعن واتخذت قرارا وقعه أعضاؤها وهم السادة: عبد المجيد إدريس وإبراهيم الغماري وحسين الوسيع. وذكرت اللجنة أنها اطلعت على نصوص قانون الانتخاب التي تفيد (أن المترشح الذي يتقاضى راتبا شهريا من الحكومة يبطل ترشيحه إن لم يستقل فورا) ورأت أن المترشح المطعون فيه السيد البرغثي تقدم يوم 20 يناير 1952 للترشيح لعضوية مجلس النواب ثم استقال في اليوم التاسع والعشرين من الشهر وفقا لخطاب متصرفية بنغازي. ولهذه الأسباب ثبت للجنة بطلان ترشيح السيد البرغثي وأن المترشح الوحيد قانونيا بالدائرة هو السيد بويصير المسجل بدريانة. كما أشار المراقب العام على السيد البرغثي أثناء مقابلته له بأنه إذا كانت لديه أية شكاية أو اعتراض على قرار اللجنة عليه أن يقدمه إلى مجلس النواب مباشرة خلال العشرة أيام التالية لانعقاد المجلس طبقا لأحكام المادة 63 من القانون. وهو ما حدث لاحقا كذلك لمترشحين آخرين من بينهم السيدان أحمد عقيلة الكزة وعلي نورالدين العنيزي في دائرة سلوق.

ففي مرحلة إحصاء الأصوات في الدائرة المشار إليها اتضح أن السيد العنيزي نال 1612 صوتا بينما نال السيد الكزة 1610 صوتا وبناء على ذلك تقدم وكيله باعتراض مفاده أن هناك ثلاثة أشخاص كانوا قد صوتوا للسيد علي العنيزي بمركز اقتراع جردينة غير أنه بعد أن سجلوا أصواتهم وغادروا المركز المذكور اشتبه فيهم أحد وكلاء السيد الكزة وقدمهم للبوليس وعند التحقيق الذي جرى حول الواقعة اتضح أنهم قد صوتوا بأسماء أشخاص آخرين ودونت لجنة الطعن محضرا بذلك وأحالته إلى البوليس الذي قبض على المتهمين في الحين ولم يمض طويل وقت حتى اعترف هؤلاء الأشخاص بجريمتهم، كما يقول التقرير الذي أشار أيضا إلى أنه على الرغم من أن لجنة الطعن ثبت لها أنهم كانوا قد صوتوا بأسماء وهمية لم تعمل على شطب أسمائهم من السجل ولم يطلب وكيل المترشح شطبهم في الحين ولذلك ظلت الأسماء موجودة في السجل كأصوات أعطيت للسيد علي العنيزي. ولهذه الأسباب طلب وكيل السيد الكزة حذف ثلاثة أشخاص من مجموع الأصوات التي نالها السيد العنيزي كي يفوز موكله بعضوية مجلس النواب. وعلى أثر ذلك طلب من ضابط مركز بوليس القرى إبراز ملفات القضايا وقد اتضح منها أن هذا الاعتراض يبدو أنه على جانب من الصحة ومن ثم أجل إعلان النتيجة لليوم التالي. وانتهى الأمر إلى أن اعتراض وكيل السيد الكزة. تم بعد فرز الأصوات وكان من المفترض قانونا أن يتم قبل البت في صحة عملية الانتخاب على ضوء ماورد في التقرير وعلى ذلك تقرر إعلان النتيجة على علاتها بفوز السيد العنيزي. وقد تم ذلك فعلا. هذه الإشكالية مرت دون أن تحصل في دوائر أخرى في ذلك الموسم من الانتخابات. انتهت الانتخابات وأعلن عن أسماء الفائزين بعضوية أول برلمان ليبي بعد الاستقلال الذي تم افتتاحه في بنغازي في اليوم الخامس والعشرين من مارس 1952 والذي مهد لاحقا لإجراء انتخابات على المستوى الولايات الثلاث في عامي 1952و1953 لاختيار المجالس التشريعية والبلدية وتم صدور القوانين الأساسية لكل ولاية (بمثابة دستور خاص بها لا يخالف دستور الدولة ويخضع له).

.. فمن فاز في الانتخابات النيابية ومن عين في أول مجلس للشيوخ.