Atwasat

العربة لن تسير إذا كان الحصان في الخلف..!

محمد الصريط الخميس 02 ديسمبر 2021, 10:56 صباحا
محمد الصريط

الانتخابات في حد ذاتها، أعتقد، ليست غاية بل هي مرحلة من مراحل يُفترض أن تُساهم في إعادة الاستقرار في ليبيا، وعلى هذا الأساس يجب أن تسبقها حالة من التوافق والتسوية التي من شانها أن تضمن إلى حد كبير نوعا من الرضا والقبول لأطراف الصراع..

ما يحدث حالياً من جدل واسع حول قانون الانتخابات وما يترتب عليه من الطعون حول بعض المرشحين يدل على أن الأمر ليس طبيعيا فالجدل والنقاش في شكله الديمقراطي يعد صحيا ولكن نوعية ومضمون ما يتردد حالياً من بعض أطراف النزاع يدل على أن هناك نارا تحت الرماد.. هذه النار قد تعيدنا إلى المربع الأول في حال عادت واشتعلت من جديد.

لذلك يجب أن نتعمق أكثر في الأزمة الليبية من خلال معرفة مواقف الدول الإقليمية التي تدعم أطراف النزاع فهي تتغير بتغير نوعية المكاسب التي قد تحققها في كل مرحلة من مراحل الصراع الليبي، كما حدث مع مصر التي أبرمت عددا من المشاريع مع (حكومة الوحدة الوطنية) لا أعتقد أن هذه المشاريع ستجعل مصر تعيد كفة الخيار العسكري من جديد، كما أن تركيا التي وقعت "اتفاقية ومذكرة" أمنية واقتصادية مع حكومة الوفاق في مطلع عام 2020 والتي ورثتها ( حكومة الوحدة الوطنية) تدرك أن الاستفادة الحقيقة من هذه الاتفاقية ستكون عبر الاستقرار في ليبيا، وجغرافياً الاتفاقية فائدتها لتركيا عبر الشرق الليبي الذي تربطه مع تركيا حدود بحرية هي المعنية بهذه الاتفاقية.

وهذا المثال من الدول المتداخلة في الشأن الليبي وفق الجغرافيا السياسية يعطينا صورة أن احتمالية اشتعال حرب جديدة شبه مستبعدة كون أن الحرب تحتاج لممولين وتحتاج لداعمين والدول الإقليمية كما أسلفت يبدو أنها اتفقت فيما بينها على عدم تصعيد الموقف بين أطراف النزاع من جديد لعدة اعتبارات، لعل أبرزها (واقع الاتفاقيات ).. وهنا نستبعد فرضية الحرب ليظل الباب مفتوحا أمام المسار السياسي الذي من جزئياته الانتخابات. ولكن هذا أيضا يفتح التكهن حول معوقات الانتخابات في حال أنجزت وفاز طرف ما.. هل الطرف الآخر "الخاسر" سيقبل ويمتثل لقواعد الديمقراطية؟ سؤال يُطرح من البعض.

... واقع الأزمة يقول لا.. كون أن كل طرف لديه قوة وقاعدة جغرافية يسيطر عليها وبالتالي لا توجد قوة تجبره على التنازل عن نفوذه وبالتالي الرضوخ للخصم! كما أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لن يستطيع فعل شيء سوى العقوبات فقط التي غالباً نتائجها تكون على المدى البعيد.

لذلك يجب أن تتعامل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والدول الإقليمية على معالجة المشكلة من جذورها. ففي ليبيا مشروعان: الأول في الغرب والآخر في الشرق وعند الخوض في تفاصيل كل مشروع نصل لنتيجة مفادها أن هذين المشروعين من الصعب بل من المستحيل أن يلتقيا!!.. إلا إذا كانت هناك بالفعل إرادة دولية كما توفرت في وقف الحرب وعدم تكرار سيناريو المسار العسكري.
وعلى هذا الأساس يفترض أن تتوفر رؤية موحدة للمجتمع الدولي في إيجاد حل للأزمة في ليبيا التي أعتقد أنه ينبغي أن تبدأ صياغتها باستبعاد كل من هو في المشهد كـ "شخوص" والبدء من الصفر وفق قواعد جديدة يساهم الكل في صياغتها - الكيانات والتكتلات والقوى السياسية - وهذه العملية تتم بإشراف أممي ودولي.. شرط أن تتوفر إرادة دولية وإقليمية - كما أسلفت- يكون محركها بالفعل إيجاد حل للأزمة والنزاع في ليبيا لا أن ينظر للأزمة الليبية على أنها حرب بالوكالة وتصفيات حسابات دولية.

وهذا الحل هو أقرب للمثالية والخيال!.. كون أن أطراف النزاع هي قوى متنفذة في محيطها الاجتماعي والجغرافي، وبالتالي من الصعب تحقيق هذه الفرضية ولم يبق هنا إلا إيجاد تسوية لا الدخول في مغامرة تحت بند التغيير من خلال الانتخابات.

فالانتخابات هي رغبة حقيقية لشريحة كبيرة من الليبيين ضاقت بهم المعاناة على كافة الأصعدة وترى في الانتخابات طوق نجاة لها. وهنا أعتقد أنه يجب أن تتوفر لها الظروف الملائمة لكي لا تفشل. وهنا يكون الحصان في وضعه الصحيح (أمام العربة) وبالتالي تسير بسلاسة نحو وضع حل حقيقي للأزمة دون انتكاسات.. ولكن العكس أن تكون العربة قبل الحصان. فهذا يعني أن العربة لن تسير.. وهو ما لا أتمناه.