Atwasat

هل يُصلح (النموذج الصيني) ليبيا؟

أحمد الفيتوري الثلاثاء 30 نوفمبر 2021, 09:08 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
أفترض أن الذهاب إلى الانتخابات في ليبيا، مشروع مستقبلي، بغض النظر عن كل الملابسات، باعتبار أن ذا الرهان، مرهون بأن الانتخابات وسيلة ضرورة، للخروج من عنق الزجاجة، وأنها وسيلة ناجعة وممكنة. عليه فاتخاذها كمركب للإنقاذ، من حالة الغرق التي يعيشها الليبيون، بمثابة رهن الحلّ على المستقبل، والنظر للخلف بغضب، بل الانكفاء عما مضى، وقلب الصفحة.

كُثر يعرفون بديهة: أن المستقبل طريق لابد له من طريقة، ولهذا الاعتبار، كنت أهتم بالنموذج الصيني، ما هو فريد من نوعه، على الأقل في العصر الحديث، ورغم ذلك فما يعرف عنه، مقولات إعلامية الطابع، وأحيانا أُسها، المصادرة على المطلوب، حيث لازمها أيديولوجي. أضف إلى ذلك، الحالة الصينية، الموسومة بالسور تاريخيا، والأسطورة تعتبرها بلاد ياجوج وماجوج، أو كما في الساعة: أكلة الخفافيش وطن الكورونا، هكذا من الواضح، أنها لم تستهدف بالبحث والدراسة المعمقة، رغم أن العالم يتنفس: صنع في الصين.

آخر وأهم ما طالعت في الخصوص، كتاب: نموذج الصين- الجدارة الساسية وحدود الديمقراطية – تأليف: دانييل بيل – ترجمة عماد عواد – سلسلة عالم المعرفة – 485 أغسطس 2021م . وقبل فإن المؤلف دانييل بيل، كما جاء في الكتاب: ولد في عام 1964م في مونتريال/كندا، وتعلم في جامعة مكفيل الكندية وأوكسفورد بالمملكة المتحدة. وعمل أستاذ فلسفة في جامعة تشيتغ هوا بالصين، التي كان فيها عميد كلية العلوم السياسية والإدارة العامة، وعمل في الولايات المتحدة وسنغافورة وهونغ كونغ في سلك التعليم. ويعد أحد أهم المتخصصين في فكر كونفوشيوس وتعاليمه.

2-
أقدم لكم الكتاب، في فقرات مطولة لأهميتها، أقتبسها أولا، من خلال ما كتبت السلسلة عنه: في واقع الأمر، يمكن اعتبار هذا الكتاب، نواة لتيار فكري، قد يؤدي، في مرحلة لاحقة، إلى بروز نماذج تنظم سياسة هجينة. قد تكون إحدى صورها الجمع، بين نظام الديمقراطية الانتخابية، بقاعدتها الشهيرة "شخص واحد، صوت واحد"، والنظام القائم على الجدارة والكفاءة في اختيار القيادة العليا للبلاد. أو على الأقل إحاطتهم بنخبة مميزة، من الخبراء في جميع المجالات، الأمر الذي يمكنهم من وضع خطط على المدى البعيد، وتنفيذها على مراحل محددة ومعروفة مسبقا.". وثانيا مما جاء في مقدمة المؤلف: "في أكتوبر من العام 2013، انتشر بشكل سريع، مقطع فيديو بالرسوم المتحركة، مجهول المصدر، وحقق أكثرمن عشرة ملايين مشاهدة في أسبوعين. هذا الفيديو الذي نشر في وقت، عُلق فيه عمل الحكومة الفيدرالية الأمريكية، يقدم صورة للتناقض، بين وسائل اختيار القادة في البلاد المختلفة. فهو يصور صعود الرئيس باراك أوباما، مثل النيزك من خلال حملة انتخابية، بلغت قيمتها مئات الملايين من الدولارات، وكللت بالنجاح على مستوى قومي، في إطار انتخابات تقوم على أساس: صوت واحد لكل فرد، هذه العملية يطلق عليها "الديمقراطية". وفي المقابل يعرض الفيلم، كيفية وصول شي جين بينغ في الصين، عبر مسيرة استمرت عقودا من الزمن، حيث رقي من مستوى المدينة، ثم المقاطعة، ومستويات إدارية، لينتقل بعد ذلك، إلى درجة وزير على مستوى الإقليم، وتلت ذلك عضوية اللجنة المركزية للحزب، فالمكتب السياسي، ومنه إلى موقع القيادة، في اللجنة المركزية للمكتب السياسي للحزب، وفي كل مرحلة من مراحل ترقيته، كان يخضع لعملية تقييم جادة، تقوم على المنافسة بغرض قياس إمكانياته في القيادة السياسية. هذه العملية يطلق عليها "النظام القائم على الجدارة". ومن الواضح أن الهدف الأساسي لهذا المقطع، تمثل في الترويج للنظام الصيني القائم على الجدارة، باعتباره مستندا إلى طريقة مشروعة أخلاقيا، لاختيار القادة السياسيين على مستوى القمة، وهو النظام الذي ربما يكون حتى أفضل من الانتخابات الديمقراطية".

الكتاب على أي حال يبحث في هذا، ويقوم بالفصل في موضوعة "النموذج الصيني"، المبنى على الجدارة، وعن مصداقيته مع الانتخابات الديمقراطية، والكاتب كما أشرنا من أهم المتخصصين، في المرجعية الكونفوشسية لمفهوم الجدارة السياسية. غير أن الكتاب، يوضح بشكل جلي، أن الصين اعتمدت قبل مرجعا عمليا، المتمثل في مفهوم الجدارة السياسية في سنغافورة، التي لها السبق في اتخاذه طريقة لنظام الحكم في البلاد. ومن دواعي اهتمام الكاتب، بنظام الجدارة السياسية، أن "الصين قد أصبحت واحدة، من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، على مدار ثلاثين عاما، وشهد عهد ما بعد الإصلاح، الإنجاز الذي ربما يكون الوحيد، والأكثر إثارة في تاريخ البشرية، والمتعلق بالتخفيف من حدة الفقر".

3-
إن الكتاب مبحث معمق، في أسلوب حكم مختلف وجديد، ويبين بالتفاصيل الفروق، بين النظام الانتخابي الديمقراطي ما نعرف، وبين نظام الجدارة السياسية ما لا نعرف، والكاتب بحث في هذه المسألة بروح نقدية وحس موضوعي، مستبعدا أفضلية هذا عن ذاك، أوسوء ما لا نعرف. وطبعا كتاب كهذا لا يمكن ولا يجب تلخيصه، لأن هذا يخل بتماسكه من ناحية، ويبسط الموضوعة العميقة والمعقدة، فما يحتاجه الكتاب التأني والصبر، لأن ما يدرس واقعا ملموسا ونظرية متداخلين في آن. عليه أردت التنويه به، فـ"نموذج الصين" لم يعد بضاعة غائمة أو أطروحة مطروحة على قارعة الطريق، يمكن التخلص منها أو الحكم عليها بنافل القول، فمفهوم الجدارة السياسية، بات نظام حكم لأكبر دولة في العالم، هذه الدولة كصاروخ تحقق مكانة، تجعل منها دولة عظمى، وصاحبة الاقتصاد الأول في العالم غدا، ما ليس ببعيد.

فهل يمكن استيراد نموذج الصين، كما يتم استيراد كل شيء من الصين؟، في ختام الكتاب يقول دانييل بيل: "منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي، نفذت الصين نموذجا للإصلاح السياسي، هو في الوقت نفسه، واقع ومثل أعلى، يمكن أن يستخدم نموذجا للحكم، مع مزيد من التحسينات في المستقبل. ولكن هل يمكن تصدير هذا النموذج، إلى أماكن أخرى؟، في حقيقة الأمر يتمثل القيد الرئيس على ذلك، في أن النموذج في حد ذاته، هو منتج هجين من خبرة تاريخية فريدة، تخص الصين".

لكن ما يُستغرب، كيف تم الاهتمام بطفرة، التحول الياباني في ستينيات القرن الماضي، وكيف اعتبرت معجزة وتمت دراستها والبحث فيها، رغم أنها خاصة على المستوى السياسي، لم تأت بجديد ولا مفارق، لكن مقاربات عدة بحثت في النموذج الياباني. فيما "نموذج الصين" ومفهوم الجدارة السياسية، تكاد لا تسمع بهما، حتى في إطار إعلامي سياحي، الذين يرددون ما تصدره وزارة الخارجية الأمريكية، من تقرير سنوي حول حقوق الإنسان، خاصة في الصين، دون تمحيص، في حين يتغاضون عما في التقرير، حول أنظمتهم.