Atwasat

الهُوية بين الثبات والحركة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 28 نوفمبر 2021, 10:31 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

كثرة الحديث عن الهُوية، في أي مجتمع، تدل، ضرورة، على أن هذا المجتمع يعاني أزمة أو، على الأقل، مشكلة في تحديد هُويته وتعريفها، وإلا لما دار جدال حولها لو كانت مُعرَّفة ومحددة.

ومن الناحية النظرية هناك رؤيتان للهُوية. الرؤية التي ترى أن هوية شعب أو مجتمع ما تُعطى مرة وإلى الأبد، أي أنها جوهر ثابت لا يحول ولا يزول. وهي رؤية ميتافيزيقية مثالية، معلقة في الأعالي مثل مُثل أفلاطون. ورغم ما يعاينه أصحاب هذه الرؤية من تبدلات وتغيرات تطرأ على هوية الشعب الذي ينتمون إليه، فإنهم يعتبرون ما ينال هذه الهوية من تبدل ما هو إلا انحراف تسبب فيه "الآخر"، سواء عن طريق الاحتلال العسكري، أو عن طريق "الغزو الثقافي"، وأن أولئك الذين يتأثرون بهذا التبدل ويحتضنونه من أبناء شعبهم، قلوا أو كثروا، ما هم إلا مجرد تُبّع مقلدين وتشهوات وبثور تظهر على جسد هذه الهوية وهذا الشعب.

ثم هناك الرؤية الواقعية التاريخانية، التي ترى أنه لا شيء بمنأى عن تأثيرات التحولات والتفاعلات التاريخية. فالهوية، من وجهة النظر هذه، ليست معطى ثابتا وجوهرا مصمتا منعزلا. وإنما هي صيرورة تاريخية تتبلور وتأخذ أبعادها عبر التاريخ، ولن تكون ثابتة في أية فترة.

صحيح أن التحولات في الهوية نادرا ما تعاين فورا ومباشرة، مما يغري بتصور ثباتها، ولكنها تتراكم عبر الزمن حتى تتضح ملامحها. وفي بعض الحالات، مثلما في الثورات واعتناق أديان جديدة، تحدث طفرة في محتوى الهوية. ولكنها عموما، تبدو ثابتة. أنا أشبهها بعقرب الساعات أو الدقائق، في الساعات التقليدية، فما من أحد يشاهد حركتهما، ولكن إذا نظر إليهما بعد فترة يتضح له أنهما قد تحركا. أو كما يحدث في حركة الظل.

هذه النظرة الواقعية، التي تسلم بحتمية التغير في الهويات، تباطأ هذا التغير أو تسارع، توفر فهما سليما للأمور وتمكن من التعاطي الواقعي مع ما يستجد من تحولات باعتبارها أمرا طبيعيا، بدلا من رثاء الهويات الضائعة وتعليق هذه التبدلات على مشجب الآخر باعتباره "غازيا ثقافيا".