Atwasat

النسوية بعيون أوروبية

محمد عقيلة العمامي الإثنين 22 نوفمبر 2021, 10:23 صباحا
محمد عقيلة العمامي

سنة 2002 أصدر المجلس الأعلى للثقافة، في مصر، تحت الرقم 474 كتاب (الأدب والنسوية) من تأليف (بام موريس( Bam Moris- وهو في مضمونه يجيب عن المقصود بالنسوية، التي أصبحت مفهومًا سياسيًا بسبب عدم المساواة بين النساء والرجال، وما تأسس على ذلك من عدم العدالة الاجتماعية بينهما، ليس بسبب الاختلاف البيولوجي؛ ولكن نتيجة للفروق التي تنشئها الثقافة ما بين الذكور والإناث. والكتاب يوضح أسباب ذلك مؤسسًا وجهة نظره من خلال الأدب النسوي ونقده، في محاولة لربطه بالجدل السياسي والأخلاقي. والنسوية هي مفهوم سياسي يتأسس على النوعين (الأنثى والذكر) ويرى الكاتب أنه يقوم على عدم المساواة بين الجنسين.

النقد الذي يتناوله الكتاب مؤسس على اختلاف هذا الأدب النسوي، باعتبار أنه أخص بالنساء، ليس بسبب الاختلاف البيولوجي؛ ولكنه ناتج عن اختلاف التنشئة الثقافية بين الرجال والنساء. أعترف أنني في البداية أعتقدت أن (بام موريس) كاتبة، ولكنني من خلال البحث تبينت أنه رجل، والأكثر من ذلك لاعب كرة القدم الأميركية وهي تلك التي تتسم بالخشونة والقوة!، وهو أستاذ جامعي، ومن مواليد يوم 13 يناير 1972.

(جين أوستن) الراوية التي أمتعت أجيالًا بروايتها الشهيرة: (كبرياء وأحكام مسبقة ( Pride & prejudice - وهي الرواية التي كانت ضمن منهجنا الدراسي في سنة من السنوات، بقسم اللغة الإنجليزية في الجامعة الليبية، فتقول:

(من فضلك لا تشر إلى أي أمثلة في الكتب، لقد امتاز الرجال عنا في حكي قصصهم، فقد كان التعليم العالي حكرًا عليهم، والقلم طوع بنانهم. لن أسمح للكتب بإثبات أي شيء).

ولعل كاتب بريطانيا الشهير، الذي اشتهرت كتاباته بعد رحيل جين أوستن بحوالي عقدين، كان يسخر من الكتابة النسائية عندما قال، في أول روايته «مذكرات بيكوبك»: ( السيدة ليو هنتر مجنونة بالشعر، يا سيدي، إنها تعشقه؛ بل يمكن القول بأن روحها وعقلها مضفوران وملتفان بالشعر. وقد كتبتْ بعض القصائد المبهجة، وربما أنك سمعت قصيدتها «أنشودة لضفدعة محتضرة» يا سيدي؟).

وعلى الرغم من أن هذا الكتاب موضوع هذه الحلقة تناول عددًا من المواضيع والأبحاث من خلال سبعة فصول لعدد من الكتاب، فإنني توقفت كثيرًا عند موضوع كتبتُه الراوية والشاعرة البريطانية (شارولوت برونتي)، وهي أيضًا إحدى الأديبات البريطانيات اللواتي، كانت كتابتهن من مناهج قسم اللغة الإنجليزية في جامعتنا السابق إشارتنا إليها. إنها تستهل موضوعها برأي يقول:

(لو تمكن الرجال من أن يرونا كما نحن بالفعل، ستقل دهشتهم؛ لكن غالبًا ما تكون لدى أمهر الرجال وأحدّهم ذهنًا أوهام عن النساء. ولأنهم لايقرأونهن في ضوء حقيقي فإنهم يسيئون فهمهن، سواء خيرهن أو شرهن. إن المرأة الصالحة لديهم شيء غامض: نصف ملاك؛ والمرأة الشريرة: دائما شيطان).

وتستهل موضوعها بإرجاع نشأة المرحلة النسوية الحالية إلى ستينيات القرن العشرين بعدما تعالت مطالبة النساء بحقوقهن المدنية في أميركا ثم تصاعدت في فرنسا والتف حولهن الطلبة والعمال والمثقفون حتى تسبب ذلك في سقوط حكومة ديجول في مايو 1986، ومع ذلك خاب أمل النساء في رفاقهن الذكور الذين «يتشدقون بعبارات منمقة عن حرية النساء، ودعواتهم بمسواتهن، وانتهي الأمر أنهن من يصنعن الشاي لهم».

وقبل أن أضع أمامكم قصيدة ملحمية، عنوانها (الفردوس المفقود– Paradise Lost) وظفتها لموضوعها، وهي للشاعر الإنجليزي (ميلتون – Milton) اسمحوا لي أن أفسر لكم سبب انتقاء هذه القصيدة، فهي تقول قوة وأهمية الجنس عند الإناث، هي وسيلتهن المباشرة للحد من تسلط الذكور وإضعافهم، وهي وسيلة تستدعى تحكمًا حذرًا، وهي في طبيعة الأنثى، التي نراها في طبيعة مخلوقات الله كافة! فالتمنُّع حالة من الدّلال الذي تتميَّز به الأنثى، على الرغم من رغبتها. هذا ما عبرت عنه الثقافة العربية بقولها «يتمنعن وهن الراغبات!»

ثم أنه، ومثلما تقول الكاتبة، إن الإناث يلدن الرجال، وليس العكس ولذلك ولربما كان المتوقع أن يتبوأ الذكور سلطة أدنى! ثم أن الأبوة، بعكس الأمومة، لا يمكن ضمانها، ولذلك كافح الذكور كثيرًا لتنظيم النشاط الجنسي وبصرامة! ليضمنوا أن ذريتهم من صلبهم ولذلك تأسست مؤسسة الزواج، والجدير بالذكر أن بعض الديانات تنسب المولود لأمه، فاليهود مثلًا ينسبون اليهودية إلى الأمهات، فمن أمه يهودية هو اليهودي الحقيقي وليس بالضروري أن يكون المولود يهوديًا إذا كان والده يهوديًا وأمه غير يهودية الأصل.

وتقول الكاتبة أيضًا: «أن الرب الذي يفسر أنه مذكر يخلق الذكر أولًا، من ضلعه خلقت أنثاه، وتقول إن القصة استخدمت للتبرير لضرورة إخضاع النساء للرجال واعتمادهن عليهم، حتى في وجودها نفسه. والأدهى أن آلام الوضع صنفت على أنها عقاب لحواء على ذنبها واستسلامها. ويبقى الخلق بصفته تولدا تلقائيًا أمرًا إلهيا وذكريا».

واليكم قصيدة ميلتون الملحمية التي تبرز اتكالية حواء وخضوعها لبعلها:
(الاثنان غير متساويين، كما أن جنسهما ليس متساويًا
هو خُلق للتأمل الروحي والشجاعة،
وهي للرقة والحسن الحلو الجذاب،
هو للرب فقط، وهي للرب فيه.
إن جبهته العريضة الجميلة وعينه المتسامية قد أعلنتا
حكمًا مطلقًا؛ وخصلات ياقوتية
تتدلى ملتوية في دوائر من ناصيته المفروقة برجولة
على هيئة عناقيد، لكنها لا تتجاوز كتفيه العريضتين:
بينما تتدلى غدائرها الذهبية الخالية من الزينة كنقاب،
حتى وسطها النحيف
شعثاء، ولكنها متموجة في حلقات صغيرة بهيجة،
كما تلتف الأعناب حول محاليقها، وهو أمر يعني ضمنًا
الخضوع، لكنه يطلبها بانحناءة لطيفة
وهي تسلمه إياها، وهو يتقبلها بقبول حسن،
تسلمه بخضوع حيي، وكبرياء محتشم،
وتأٌخر حلو متمنع دال على الحب).

وبمقدورنا أن نلخص ما احتوته ورقة الشاعرة والراوية (شارلوت برونتي) في نقاط بسيطة كالتالي:

-إن إساءة تمثيل الرجال للنساء من أهم الوسائل التقليدية التي تسلط بها الرجال على النساء. ولعل توصيف المرأة بالسلب أبرزها.
-تسيُّد الرجال جعل تمثيلهم لأنفسهم، ولذا نحتاج إلى إعادة قراءات كتابات الرجال عن النساء وتصحيحها.
-دور الإناث في الإنجاب سائد ومضمون وهذا مصدر قلق الذكور.
-المرأة الكاملة عند الرجال هي صاحبة العفة والخضوع والرجال لا يرونهن إلاّ وفق شروطهم.
-السليطات المشاكسات من النساء هن أكثر تهديدًا لسلطة الرجال، وأنهن يستحققن العقاب ومن دون إشارة للمتسلطين من الرجال.
-وجهة النظر الروائية عادة ما تكون مذكرة!
-بنية الحبكة الروائية، تبرز أن مصير الأنثى هو الرضوخ باختيارات محدودة، مع الصبر على المكر، والعقاب على التجاوزات.
لقد أطلت تلخيصي واقتباسي من الكتاب الذي أشرت إليه لسببين، الأول: أنه يتناول وجهة النظر الأوروبية لموضوع يشغل مجتمعنا، وثانيًا لأن مثل هذه المواضيع كانت تدرس في الجامعات العربية، وعاصرتها في ليبيا في مطلع الستينيات، وهي المرحلة التي بدأت فيها المرأة تأخذ نصيبها العملي في إدارة العديد من مناحي الدولة، مما ساعد كثيرًا على مشاركتها الفعلية، لتصبح في بداية طرق المساهمة الفعلية قيام المجتمع الليبي الحديث، وتلك الفترة تزامنت مع شبابي، ووصولي إلى المرحلة الجامعية، رفقة عبد المجيد الدرسي رفيق الطفولة والشباب، وهي مستمرة، لحسن حظي، حتى الآن، وكان قد سبقني عدد من رفاق الطفولة والصبا، منهم محمد ومحمود شمام، عبد الحميد البرعصي، عبدالمطلوب الريشي فكانوا عونًا في تواصلنا مع الشباب والشابات المستنيرين، من مختلف أنحاء ليبيا الذين يتطلعون إلى حياة عصرية ترى أن الزميلات هن شريكات في تقدم ليبيا ولسن مجرد متممات لصورة تبرز الحداثة والحياة العصرية. كان هناك عدد من الأساتذة الأجلاء الذين يرون أن الإناث نصف المجتمع ويتعين أن يتبوأن المناصب القيادية التي تفضي إلى قيام دولة المملكة الليبية الحديثة، التي انتهت بقيام ثورة سبتمبر، التي وإن استمرت لسنوات بسيطة تسير وفق ما كنا نتطلع إليه من دولة مدنية حديثة، وكانت بالفعل قد بدأت عهدها بذلك، فلم تنحصر البعثات الدراسية على فئة دون غيرها بل تضاعفت بشكل لافت. ولم يكن هناك لا تمييز جهوي أو غيره بين الطلبة. سنة 1970 انتقاني الدكتور منصور محمد الكيخيا عميد كلية الآداب لتمثيل شباب الجامعة في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقدته هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، ولما سألته عن سبب اختياري تحديدًا والجامعة تعج بأصدقائه وأقاربه، والعديد من الكشافين، وهو كشاف متميز، والكثير من الأهلاويين وهو أهلاوي أجابني بصراحة أنه انتقاني لأنه وجد المواصفات في المرشح تنطبق علىّ تمامًا. شاب نشط، مكافح، لا انتماءات سياسية له محبوب وصديق الجميع وفوق ذلك متفوق في دراسته! وبالفعل كنت كذلك في السنتين الأوليين! وكان بعد عودتي من أميركا، لم يستمر الحال على ما هو عليه، لأسباب سنتناولها لاحقا!