Atwasat

أهمية هيئة الأمم المتحدة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 21 نوفمبر 2021, 10:45 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

في حديث، بواسطة الفايبر، مع ابني حيان المقيم في كندا، جرنا الكلام إلى الأمم المتحدة التي اعتبرتها أنا خطوة مهمة في تاريخ الإنسانية نحو السعي إلى حل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية، ويرى هو أنها عديمة النفع. وسألني سؤالا استنكاريا عما قدمته الأمم المتحدة من إيجابيات. ولأن ظروف المحادثة لم تكن تسمح بإجراء حوار فكري رصين، قلت له:

على الأقل، بالنسبة إلى ليبيا، كانت الأمم المتحدة سببا رئيسيا في استقلال البلاد.

فقال ساخرا، لكن ظلت هناك قواعد أجنبية، لذا لم يكن استقلالا حقيقيا. وسألني سؤالا آخر عما فعلته الأمم المتحدة إزاء مأساة الشعب الفلسطيني الناجمة عن تنصيب الدولة العنصرية الدينية الصهيونية على أرض فلسطين، بفعل الاستعمار الغربي.

هذا النوع من التفكير لا يتفرد به حيان، ولكنه ذهنية عامة لا تقتصر على جيله، وإنما تشمل أجيالا أسبق. وهو تفكير مثالي كمالي (= تمامي) يطلب أن تتحقق الأشياء كاملة وناجزة منذ البداية (كما في نظرية الفيض الأفلوطينية) دون أي اعتبار للتدرج والتطور التاريخيين. ولذا فهو تفكير مجرد غير عقلاني وغير واقعي، بل وعبثي، أو عدمي.

ذلك أنه لكل شيء تاريخ، في الطبيعة والحضارة والمجتمع والفكر والعلوم والتكنولوجيا والآداب والفنون، كما هو الحال في اللغة والأديان، وحتى الضمير والوعي واللا وعي.

فللمرة الأولى في تاريخ البشرية فكرت الأوساط الحاكمة في الغرب، بعد ويلات الحرب العالمية الأولى، في إنشاء منظمة على مستوى دولي تلجأ إليها الدول المتنازعة من أجل فض النزاعات بينها سلميا.

تمثلت المحاولة الأولى في إنشاء ما سمي "عُصبة الأمم League of Nations" التي تأسست عقب مؤتمر باريس للسلام سنة 1919 الذي أنهى الحرب العالمية الأولى. كانت "عصبة الأمم" أول منظمة أمن دولية هدفت إلى الحفاظ على السلم العالمي، وقد بلغ عدد الدول المنتمية إليها 58 دولة في أقصاه، خلال الفترة الممتدة من 28 سبتمبر سنة 1934 إلى 23 فبراير سنة 1935.

وورد في ميثاقها أنها تهدف إلى منع قيام الحرب عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول، والحد من انتشار الأسلحة، وتسوية المنازعات الدولية عبر إجراء المفاوضات والتحكيم الدولي. ومن أهدافها الأخرى تحسين أوضاع العمل بالنسبة للعمّال، معاملة سكّان الدول المنتدبة والمستعمرة بالمساواة مع السكّان والموظفين الحكوميين التابعين للدول المنتدبة، مقاومة الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة، والعناية بالصحة العالمية وأسرى الحرب، وحماية الأقليّات العرقية في أوروبا.وعقدت أولى اجتماعاتها في 10 يناير 1920.

لكنها لم تفلح في الحيلولة دون وقوع الحرب العالمية الثانية التي اندلعت في الأول من سبتمبر 1939 في أوروبا وانتهت في الثاني من سبتمبر 1945. وما إن خمدت نيران هذه الحرب حتى بودر بتأسيس هيئة الأمم المتحدة في 25 أوكتوبر من نفس السنة. وأهداف هذه المنظمة تدور ضمن إطار المقاصد العامة لمباديء "عصبة الأمم" المنظمة السلف.

وأيا كان تنديدنا بفشلها في منع الحروب بين الدول، إلا أن هذا أمر ليست هي، كمنظمة قانونية وجهة تحكيم، مسؤولة عنه، وإنما تقع مسؤوليته على الأطراف المتنازعة التي آثرت اللجوء إلى القوة والحرب بدلا من الاحتكام إلى هذه الهيئة للبحث عن حل سلمي عادل.

إلا أن هيئة الأمم المتحدة حققت نجاحات بارزة عن طريق المنظمات المنبثقة عنها مثل منظمة اليونسكو للعلوم والثقافة، ومنظمة الفاو للأغذية والزراعة، ومنظمة الصحة العالمية التي لا تنكر جهودها في ميدان الصحة ودورها البارز الآن في مواجهة جائحة كورونا.
إضافة إلى جهود الهيئة بخصوص حماية البيئة، وقوانين العمل وحقوق الإنسان وحماية المرأة والطفل، وما إلى ذلك.

من الناحية السياسية تعاني الهيئة، في ما يتعلق بالسلم العالمي، عوزا واضحا. إذ تهيمن على مجلس الأمن فيها الدول العظمى دائمة العضوية في هذا المجلس بامتلاكها حق النقض. قبل انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه كان هناك نوع من التوازن لوجود قطبين متعارضين. لكن بعد ذلك خلا المجال لأمريكا وصارت لها الكلمة الأولى والأخيرة في أمور السياسة الدولية.

بالنسبة إلى موقف الأمم المتحدة من مأساة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، تنطوي الظروف الدولية التي تكتنف هذه القضية على تعقيد بالغ. فالدولة الصهيونية مدعومة دعما لا لبس ولا خفاء فيه من قبل الغرب الذي نصبها على الأرض الفلسطينة. وتتبنى الولايات المتحدة إسرائيل وتعتبرها قلعة إمبريالة متقدمة في منطقة الشرق الأوسط وسط المحيط العربي المهم، من وجهة النظر الاستعمارية الغربية، منطقة حيوية.

إلا أن الأمم المتحدة تبذل، في إطار ما هو ممكن، جهودا محمودة. فسنويا، تتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة 16 قراراً تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف؛ بما في ذلك "حق تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة"، و"حق العودة"، و"السيادة على الموارد الطبيعية"، و"عدم شرعية الاستيطان".

وينبغي ألا ننسى أن الجمعية العامة أصدرت قرارا باعتبار الصهيونية نزعة عنصرية وأنها تبنت بتاريخ 22/11/1974 قراراً اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، وحصلت المنظمة على صفة مراقب في الأمم المتحدة كـ "حركة تحرر وطني"، وخطب ياسر عرفات على منبر هيئة الأمم المتحدة.

بطبيعة الحال، هذا ليس كافيا ولا يحقق شيئا من الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني، لكن ينبغي ألا نغض النظر عن الظروف المتحكمة في الوضع، خاصة مع ضعف الأنظمة العربية وتخاذل بعضها أو تواطئها مع الكيان الصهيوني وإقامة علاقات سرية معه، وما نشهده الآن من تراكض العديد من هذه الدول، علنا وجهارا نهارا، للاعتراف بإسرائيل.

قصارى القول، إن هيئة الأمم المتحدة تعد، من وجهة نظر تاريخية تطورية واقعية، مكسبا إنسانيا عظيما يمكن له، حالة توفر ظروف موافقة، أن يتطور على طريق الأهداف الإنسانية النبيلة.