Atwasat

لبنان في منطقة تقاطع النيران «الإيرانية - الخليجية»

بشير زعبية الأربعاء 10 نوفمبر 2021, 06:40 مساء
بشير زعبية

استقالة وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، لا تعني شيئاً الآن، وسواء قدم استقالته مستجيباً للضغوط التي يتعرض لها، أو لم يقدمها، فالسعودية، ومعها دول مجلس التعاون الخليجي لن تتراجع عن قرارات معاقبة لبنان، لأن الأمر ببساطة أبعد وأوسع من واقعة تصريح قرداحي؛ لذا فعدم تقديم الوزير اللبناني استقالته يخدمه كشخصية سياسية أكثر مما يضره، وإن كانت المضرة ستطال لبنان في الحالتين.. أساس الأزمة هو أن الحكومة اللبنانية، أو فلنقل لبنان يعاقب بجريرة «حزب الله»، مخلب إيران كما تراه السعودية، ومعها شقيقاتها الخليجيات، إنه بمعنى أوضح يمثل المشروع الإيراني في المنطقة، مثلما هو الأمر بالنسبة للحوثيين، وهي تختزل إيران في «حزب الله»، وتختزل لبنان في هذا الحزب، وتحديداً بعد أن أصبح له ممثلون في الحكومة اللبنانية، وتحالف الحزب مع «التيار الوطني الحر» حزب الرئيس اللبناني الحالي، ميشيل عون.

وبلغ التوتر في العلاقة بين البلدين حد احتجاز السعودية لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري خلال زيارة للرياض (نوفمبر 2017)، وإعلانه من هناك بشكل غير مسبوق استقالته من رئاسة الحكومة، فيما اعتبره اللبنانيون إكراهاً وليس طوعاً، ما دعا الرئيس الرئيس عون إلى رفض الاستقالة واشتراطه أن يعلنها الحريري من بيروت، ومع الضغط الدولي، خصوصاً الفرنسي، عاد الحريري إلى لبنان. وفي مايو الماضي نشبت أزمة مشابهة لأزمة تصريح قرداحي، وكان بطلها وزير خارجية لبنان، شربل وهبة، بسبب مشادة كلامية مع صحفي سعودي على قناة الحرّة الأميركية، رد فيه الوزير على ما اعتبره إهانة لرئيس الدولة، بانسحابه من البرنامج قائلاً: «أنا في لبنان وعم يهيني واحد من أهل البدو»، واعتبرت السعودية كلام الوزير اللبناني إهانة لها ولدول الخليج، واستدعت هي والإمارات والكويت والبحرين سفراءها من لبنان، وتقدمت بشكوى إلى الحكومة اللبنانية بالخصوص، ما أدى في النهاية إلى تقديم الوزير اللبناني استقالته إلى الرئيس عون. وأثارت تصريحات قبلها لوزير الخارجية اللبناني، الأسبق جبران باسيل سخرية وغضب السعوديين حين أطلق دعوة «لبنان قبل الكل» أكد فيها أنه يدافع عن اليد العاملة اللبنانية في وجه العمالة الأخرى الوافدة، وسمى من بينها «العمالة السعودية»! ومرة أخرى يجد لبنان نفسه ضحية صراع الآخرين على أرضه، لبنان هو ضحية الجغرافيا أيضاً، فلا حدود له اليوم إلا مع شقيق متفجر، وعدو متربص، شرياناه اللذان يضخان له الحياة، مرفأ بيروت الذي استهدفه وعطله التفجير، ومنفذه البري الممتد من مع سورية إلى الخليج، يسد هو الآخر بقرارات مقاطعة صادراته، وإزهاق ما تبقى من روح في كيانه الاقتصادي.

لبنان يعاقب، وأشقاؤه يقسون عليه من خلال الضغط على حكومته وحصرها في زاوية حرجة، وهي التي تجد نفسها في منطقة تقاطع نيران إيرانية - خليجية، فلا هي بقادرة على صد المشروع الإيراني، وتقديم رأس حزب الله إلى السعودية، ولا هي باستطاعتها مواجهة الأخيرة والتحجج بالشأن الداخلي والسيادة، على الرغم من أن تصرف الحكومة إزاء الإجراءات السعودية الأخيرة بها شيء من هذا، فالوزير جورج قرداحي يرى أن تصريحه الذي فجر المشكلة، هو رأيه الشخصي وأدلى به قبل أن يكون عضواً في الحكومة، والاعتذار عنه، أو تقديم استقالته، هو تنازل منه عن حقه في إبداء رأيه؛ بل وتدخل مبالغ فيه في شأن حكومته وبلاده، وفي السياق عكس موقف الرئيس اللبناني، ورئيس الحكومة شيئاً من هذا في تعليقاتهما على الموقف الخليجي، إذ ردّا بأن تصريح قرداحي كان قبل توزيره، ولم يمارسا ضغطاً، ويجبرانه على الاستقالة، بل تركا له خيار اتخاذ القرار مع مراعاة «تحكيم ضميره، وتقدير ظروف البلاد»، وفق تعبير رئيس الحكومة، ولا يبدو حتى الآن أي مؤشر على انتهاء أزمة لبنان مع دول الخليج بزعامة السعودية، وهي الأزمة التي لن تنتهي كما قلت باستقالة أو إقالة وزير الإعلام، جورج قرداحي، فمفتاحها الحقيقي هو في طهران، وليس في بيروت.