Atwasat

أشْتاتُ الككلي تلتقي أخيراً

جمعة بوكليب الخميس 04 نوفمبر 2021, 01:42 مساء
جمعة بوكليب

تقولُ العربُ قديماً قد تلتقي الأشْتاتُ بعد تَفرّق. وتعني قد تلتقي الأجزاءُ وتجتمعُ. ربما لذلك السبب، رغب مؤخراً الصديق الكاتب المبدع عمر أبوالقاسم الككلي لأشتات ذاته المتفرقة أن تلتقي مجتمعة بين دفّتي كتاب، ليطلعنا – أصدقاء وقرّاء- على ما عرفنا، وما لم نعرف من سيرته. تلك السيرة الشخصية، على وجه العموم، ولحسن حظي، شاركته واحدة من أهم محطاتها وعلاماتها. لذلك، سارعتُ بغبطة، لدى زيارتي طرابلس، في الفترة الماضية، لاقتناء "أشتاتُ الذات، سردياتُ العمر" الصادرة مؤخراً عن دار نشرالرواد بطرابلس، على أمل الإلمام بما فاتني منها في مرحلتين: قبل أن ألتقيه في بدايات النصف الأول من السبعينيات ، وبعد أن فارقته إلى المهجر، قرب نهايات النصف الأخير من الثمانينيات.

حرصَ عمر، بين دفتي الكتاب، على أن يرفق أشتات سيرته، بكتابين آخرين. أطلق على أولهما عنوان "كتاب الأحلام" وثانيهما "كتاب المراثي." واعتبرهما جزءاً من سيرته يستحقان النشر. ولحسن الحظ،، لم يرفقهم بكتاب آخر كنت أتوقعه، وهو "خيبات الحب." ولعله أرجأ ذلك متعمداً إلى فترة زمنية لاحقة، رفقاً بأصدقائه وقرّائه. وأعدكم بأنني في حالة لجوء عمر مستقبلاً إلى تدوين وتوثيق ذلك الجزء من سيرته الشخصية، ونشره على الملأ، لن أقرأه، لكي أجنّب نفسي إحباطات أخرى، وانكسارات لا حاجة لي بها. وأرجو شاكراً ألا يعتبر القرّاء الكرام تصريحي الأخير وشاية، أو تحذيراً لهم لتجنب اقتناء وقراءة الكتاب المتوقع، في حالة صدوره.

اللقبُ الككلي، نسبة إلى بلدة في جبل نفوسه ( الجبل الغربي) تسمى ككله. وتخصص من نزح من أهلها، عبر العقود الماضية إلى العاصمة طرابلس، بالعمل في المخابز. وأذكر أنني، بعد نهاية نظام حكم العقيد القذافي، قبلت دعوة كريمة من صديقي الفنان الموسيقي رضا إدريس لزيارة مدينة يفرن عاصمة الجبل. وفي الطريق مررنا بالسيارة بعدّة بلدات صغيرة، ومن ضمنها ككله، البلدة التي ينتمي لها عمر. ولولا يافطة معدنية قديمة جداً وصدئة، علقت على الجانب الأيمن من الطريق، في منطقة صخرية جرداء قاحلة، لما كنت عرفت أنني كنت أمرُّ بها. فلا شيء على الجانبين يوحي للغريب بوجود بلدة وسكان كغيرها من البلدات. في تلك اللحظات، تحديداً، تذكرت صديقي عمر أبوالقاسم الككلي. وفي ذات الوقت تعجبت وتساءلت: كيف يمكن لمنطقة مثل تلك، صخرية جرداء قاحلة مقفرة من البشر والطير، لا ماء ولا شجر، أن تنجب قاصين مبدعين من طراز رفيع، هما المرحوم خليفة عمر التكبالي وعمر أبوالقاسم الككلي، أثرى نتاجهما السردي المتميز القصة الليبية خصوصاً والعربية عموماً؟

" أشتاتُ الذات" كتابٌ صغير الحجم، من القطع الصغير، لا تزيد صفحاته عن 212 صفحة، جميل وقيّم المحتوى. حرص عمر على تزيين غلافه الأمامي بصورة شخصية له، وهو في ريعان الشباب وليس الطفولة، رغم ما حظيت به الأخيرة من اهتمام بالتدوين والتوثيق، في عديد من نصوص الكتاب. وآمل أن تتاح لي فرصة الكتابة عنه في المستقبل القريب، بما يضمن حقه من التكريم والتبجيل المستحق، والإشادة الواجبة، لما احتواه من فنون في أساليب الكتابة الإبداعية،ولما ضم من مقاطع سيروية مهمة في حياة الكاتب. و أتمنى، من كل قلبي، أن تحظى نصوصه القصيرة وشهاداته، باهتمام المشتغلين بالنقد من الليبيين والعرب على السواء لأهميته.

قراءة نصوص عمر أبوالقاسم الككلي السردية القصصية نزهة في بساتين الإبداع. تقدم لقارئها متعة متميزة، كفاكهة نادرة يعزّ وجودها، تمنح المرء مذاقاً لذيذاً، وطعماً مختلفاً، يتذوقه لمرّة فلا ينساه.

وبودي، قبل أن أختم هذه السطور، الإشارة إلى ملاحظة صغيرة أعتبرها، من وجهة نظري، مهمة، تتعلق بالمبدعين من أصول ريفية، ممن وفدوا في فترة مبكرة أو متأخرة من حيواتهم على المدن. فهم - من دون أن يقصدوا - تميّزوا عن نظرائهم من الكتاب المدينيين، بما أمدتهم به تلك البيئات، التي عاشوا فيها سنوات من أعمارهم، من تجارب وخبرات وثقافة انعكست متجلية في إبداعاتهم، ووسعت من آفاق خيالهم الإبداعي. وهذا لا يعني مطلقاً التقليل من شأن إبداعات نظرائهم المدينيين في شتّى المجالات. وقد ارتأيت تدوين الإشارة وتوثيقها عقب قراءتي أشتات عمر الككلي مؤخراً، لأن قراءتها عادت بذاكرتي إلى نتاحات أمثاله من الكتاب الليبيين وغيرهم من الكتاب العرب، الأمر الذي أشعرني بشيء من غيرة، ناجمة عن قصور في فهمي لتلك البيئات وثقافتها وتقاليدها، واستيعاب رموزها، وبالتالي عجزي عن مجاراتهم في الاشتباك مع عوالمها إبداعياً.

هنيئاً لعمر بتجميع أشتاته المتفرقة، وما أتاحته لنا من فرصة للتعرف على تفاصيل مهمة من نشاته الحياتية، ساهمت في تكوينه الأدبي وفي توطيد مكانته. وهنيئاً للمكتبة الليبية والعربية بالإضافة الإبداعية القيّمة. وفي أنتظار قراءة المزيد من أشتات سيرته قريباً.