Atwasat

تعديل اسم

جمعة بوكليب الخميس 28 أكتوبر 2021, 11:00 صباحا
جمعة بوكليب

إعلانات تعديل وتغيير الأسماء والأعمار، تعدُّ سمة ثابتة وبارزة، في جميع الصحف الليبية والعامل المشترك الأكبر بينها، منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي وحتى يوم الناس هذا. ولو أن هيئة بحثية أكاديمية قامت بتتبع هذه الظاهرة بالدراسة الإحصائية لربما كشفت لنا النتائج أرقاماً هائلة، ولربما أيضاً عرفنا من خلالها أشياء كثيرة عن طبيعة هذه الظاهرة اللافتة للانتباه، واستطعنا كذلك تفهم استمراريتها طيلة عقود زمنية، وأسبابها مهما تعددت. ولربما نسعى لمحاولة البحث عن سبل علاجها، حتى تختفي من صفحات جرائدنا المحلية، لتستغل مساحاتها في تقديم مادة صحفية مختلفة ومفيدة.

فالقاريء لأي صحيفة ليبية، لابد، وأشدد على كلمة لابد، وأن يعثر بين صفحاتها على واحدة، أو أكثر مخصصة لإعلانات تتعلق بإشهارات لمواطنين يعلنون فيها تعديل أخطاء وقعت لدى تسجيل أسمائهم، أو إحداث تعديلات لأعمارهم، في سجلات تقييد المواليد، في دوائر النفوس الرسمية. الأمر الذي يشير، من وجهة نظري، إلى وجود خطأ جلل في هيكلة وتركيبة مكاتب ودوائر النفوس في مختلف البلديات الليبية. كأن يكون الموظفون الموكلون بتلك المهام غير مبالين بما يقيدون في السجلات الرسمية، أو أنهم يعيشون في كوكب آخر، أو أن عقولهم في أوقات الدوام كانت تحت تأثير مواد مخدرة. وهو في رأيي أمر غير مقبول، وصعب التصديق. إذ مهما بلغت درجة إهمال الموطفين، أو انعدام كفاءاتهم فلا يمكن منطقيا أن تصل نسبة الأخطاء إلى ذلك الحد اللامعقول واللامقبول.

ما يلفت الاهتمام أنني من خلال متابعتي للصحافة المقروءة عربياً، طيلة أكثر من نصف قرن، لم أعثر على شبيه لهذة الظاهرة الليبية الفريدة. وهذا لا يعني منطقياً أن مكاتب النفوس بتلك البلدان لا تسجل بها أخطاء. لكن التعديلات والتصحيحات لما يحدث من أخطاء تتخذ مساراً إدارياً مختلفاً عما يحدث في بلادنا، وبالتالي لا مكان لها في الجرايد. اللافت للانتباه، هو أنني شخصياً، لم أسمع مطلقاً بمواطن ليبي قام بتعديل اسمه، أو تصحيح عمره، وتعرض إعلانه للطعن من قبل مواطنين آخرين، أو جهات رسمية.

وبالطبع، وكما هو متوقع، للظاهرة مواسم ترتفع فيها وتتفاقم حتى تكاد تستحوذ على معظم الصفحات. ومثال ذلك، ما حدث خلال سنوات التجنيد الإجباري في القوات المسلحة، خلال النظام السابق. وهناك مواسم أخرى تقل فيها بدرجات ملحوظة، كما يحدث خلال الفترة الزمنية الحالية. لكنها، على أي حال، لا تنقص عن نصف صفحة على الأقل. ولا أعرف على وجه الدقة ماذا سيحدث لمداخيل الصحف مالياً لو توقفت تلك التعديلات والتصحيحات للأسماء وللأعمار، أو أن الجهات الرسمية تقرر لها مساراً إداريا مختلفاً.

وبالتأكيد، فوراء كل ظاهرة أسباب معينة. وفي الحالة الليبية فإن الأجهزة الرسمية بالدولة، كما ثبت من التجارب، تكفلت عبر الأعوام باستمرارية هذه الظاهرة، وإيجاد الأسباب أمام تواصلها، بما تتخذه من قرارات وإجراءات مربكة وعشوائية وغير منطقية غالب ألأحيان، لا يجد المواطن الليبي مفراً سوى التملص منها بطرق ملتوية، تجنبه طائلة العقوبات. وفي الأخير، وكما يقول المثل الشعبي "الخانب يغلب العسّاس."

غياب الثقة بين الحكومات الليبية في مختلف العهود من جانب، والمواطن الليبي من جانب آخر، فرض واقعيا طبيعة العلاقة بينهما. فالحكومة منذ استقلال البلاد وحتى الآن، تحرص على أن تعامل المواطن بدونية، كما يعامل القاصر. تلك النظرة المترسخة في الثقافة الحكومية حرمت المواطن من حقه في التعبير عن رأيه، وجعلت منه مجرد إناء ليس بإمكانه رد ما يلقيه فيه المسؤولون من سياسات لا تلبي احتياجاته اليومية، بل وتزيد في صعوبة ما يعانيه من مشاكل حياتية. وعلى الجانب الآخر من العلاقة تكونت ثقافة أخرى مضادة للثقافة الحكومية، تأسست في القاعدة الشعبية، على عدة أعمدة أهمها الاسترابة في كل ما يصدر عن الحكومات من قرارات وما تتخذه من إجراءات، والإيمان بأن المسؤولين الحكوميين ليسوا سوى لصوص برخصة، يعرضون عليه كوباً من اللبن نظرياً، وفعلياً يسقونه كوبا من ماء مالح. وهذا بدوره أفضى إلى تكون عقلية مضادة ومقاومة تقوم على المخاتلة. بمعنى أن المواطن لا يبدي اعتراضا على قرارات الحكومة، لكنه يسعى إلى نزع فتيلها، وإبطال مفعولها. ويتم ذلك من خلال استغلال ما يوفره القانون من ثغرات لصالحه. ولا أظنني أجانب الصواب إن قلت إن إعلانات تغيير الأسماء والأعمار ثغرة قانونية متاحة، ضمن ثغرات عديدة، يتمكن من خلالها المواطن من تحقيق مآربه الشخصية غير القانونية، وفق القانون.