Atwasat

الميناء!

صالح الحاراتي الخميس 28 أكتوبر 2021, 10:58 صباحا
صالح الحاراتي

الميناء مرسى محجوز أو مستور طبيعيا أو صناعيا عن موج البحر، وتجهز الموانيء بمعدات تفريغ وتحميل البضائع مثل الرافعات العملاقة والرافعات الشوكية لاستخدامها في تحميل السفن وتفريغها، كما توجد في الموانيء بعض القنوات التي تسمح بالحركة الداخلية فى الميناء للوصول إلى وسائل النقل المختلفة "الشاحنات" التى تعمل على خروج البضائع من الميناء.

الميناء هو ميناء طرابلس البحري وهو أكبر الموانئيء الليبية في التعاملات، تبلغ مساحة الميناء الإجمالية 4 كيلومتر مربع ..

يوجد بالميناء 27 رصيفا بينها 20 رصيفا للبضائع العامة، وثلاثة أرصفة للخدمات. وهو الأكبر فى القدرة الاستيعابية السنوية، كما توجد به منارة يبلغ ارتفاعها 116 قدما من مستوي سطح البح. وتعمل ليلا بواسطة منظومة كهربائية ويصل مدى الإضاءة الي 16 ميلا بحريا.
كنت على سطح عمارة وكان منظر البحر والميناء أمامى وتأملت حركة الميناء ومكوناته وبدت حقيقة واقعنا ماثلة أمامي.. ليس لنا أي منتج يدخل فى مكونات الميناء، فكل ما يحتويه هو من إنتاج الخارج.. السفن والرافعات، الحاويات وصوامع القمح، القاطرات.. المنارة ووسائل الاتصال، وحتى حائط صد الأمواج الذي يمتد كلسان فى البحر ليس من صنعنا.. أي ليس لنا أي علاقة بإنتاج أي جزء من مكوناته وهو الأمر الذى ينسحب على كل ما تجلبه السفن العملاقة من غذاء ودواء ومعدات وأدوات، بل حتى وقود السيارات الذي يتم تكريره فى الخارج - وهو من النفط المنتج من أرضنا - يعود إلينا عبر الميناء جاهزا للاستعمال.

بأمانة وتجرد، أكاد لا أفهم وهكذا الحال، معنى الحديث عن السيادة والشموخ وباقي مفردات الخطاب الشعبوي وحالنا مشبع بكل هذا العجز!
مرت تلك الخاطرة وجاء سؤال في ذهني، كيف يكون حالنا لو توقف استيراد الدقيق أو دواء مثل
"الأنسولين" أو المضادات الحيوية والأمصال واللقاحات!!
هل عندها يكون حديثنا عن السيادة والشموخ حديثا عقلانيا ومنطقيا؟
فالحديث عن السيادة حديث عاطفي يدغدغ المشاعر ويلقى القبول..
ولكن في تقديري ولكي يكون حديثا عاقلا، وجب التفكير فى أولوياتنا وضرورة الحديث عن وفي التنمية حتى نتمكن بالحد الأدنى إنتاج ما يجعل حاجتنا للآخرين بدرجة أقل، ويسمح لنا بقدر ولو صغير من الندية والاستقلالية.
لو افترضنا معا أن الحديث عن السيادة هو حس عاطفي عميق بالعزة الوطنية واستعداد سياسي شديد لتحدي الآخرين الذين يخرقون هذه السيادة ومواجهتهم بكل السبل المتاحة.. فهل يمكن لبلد أو أي مجموعة في العالم أن تكون مكتفية بنفسها إلا إذا تمحور جهدها حول الاعتماد الكامل على الذات! وهل ذلك أمر ممكن فى هذا الزمان؟

في تقديري لا يمكن المضي في طريق التقدم والتنمية دون الشفافية والاعتراف بالواقع كخطوة أولى للتغيير المنشود، أما الخطاب الشعبوي فهو خطاب واهم.. لأن ما يجمع معظم دُعاة الخطاب الشعبوي هو مقاربتهم التبسيطية واستخدامهم مفردات وهمية، وادعاؤهم أنهم صوت وضمير هذا الشعب، فضلاً عن تركيزهم على خطابٍ يفتقر للرؤى الواضحة، مع ترويجهم لخطاب مُبْهَمٌ، لا يعتمد الأفكار، بل يميل إلى إثارة الحماس وإلهاب المشاعر، ليتماشى تماماً أو يتطابق مع المزاج السائد، الذى يزخر بالشعارات ووردية الحلم وتبسيط الأمور، إنهم يمارسون التكرار الفج ويعيدون كلاماً لا يمكن الحصول عليه إلا فى جب الكذب والتزوير والنفاق.

فلماذا نشنف آذاننا برنين كل المفردات الفخيمة التي تتقاطر أوهاما ساذجة ونظل نلوكها دون أن نصل إلى جوهر القضايا الملحة التي تحتاج منا إلى المكاشفة والشفافية.. والاعتراف بالواقع.. لماذا اللجوء للتزيد في المسميات واللغة؟ هل الإحساس بالعجز وبعد الهوة بيننا وبين العالم المتقدم يدفعنا إلى اللجوء لملئها بمثل هذه الاستخدامات العريضة للغة المملوءة فقط بالتهويمات والعبارات والأقوال السريالية.

لماذا ننحو إلى التفكير بالتمني وتكوين التحليلات بناءً على رغبات وأمنيات واهمة عوضاً عن التفكير الذي يستند إلى الواقعية والدلائل العقلانية. لماذا لا نتجاوز خطاب الشعارات الوهمية في سياق المحاورات والمجادلات الفكرية والسياسية تلك الآفة الذهنية، والمسار المضلل الذى يقود إلى النهايات الخاطئة.