Atwasat

المطالبة بالحقوق واجب ديني.. والمرأة أولى به

نجود لنقي الأربعاء 27 أكتوبر 2021, 12:59 مساء
نجود لنقي

تواجه المرأة العديد من الاتهامات والرفض عند رفع راية المطالبة بحق من الحقوق أو المطالبة بدفع ظلم أو ضرر واقع عليها وكأن في فعل المطالبة تعد على دين الله ومخالفة لشرعه! فهناك من يضع «المطالبة بالحقوق والحفاظ عليها» في مقابل «الحفاظ على الدين والشريعة».

وهناك من يستنكر على النساء المطالبة بالعدل والمساواة، ويصادرون مطالباتهن بالحقوق دون نظر أو بينة، زاعمين أنها باطلة مخالفة لأحكام الدين متحججين بدرء المفاسد عن المجتمع والحفاظ على ما تعارف عليه من عادات، مرددين «الشريعة أعطت المرأة حقوقها»، بل يقولون إنها «نصت لها على حقوق كاملة، ولا تحتاج إلى إضافة»، مطالبين بغلق الباب عن موضوع «حقوق المرأة»، متجاهلين المتغيرات والمستجدات التي تطرأ على المجتمعات وعلى الحياة بأسرها وسنة الله تعالى في كونه.

في حين جاءت الشريعة لتقيم العدل بين الناس وتحفظ الإنسان وكرامته دون تمييز بين ذكر أو أنثى في كل زمان ومكان ومع كل متغييرات ومستجدات. وجاء شرع الله بالأحكام والضوابط لدفع الظلم وردع الظالم جاعلا المطالبة بالحقوق حقا أصيلا، آمرا بإعطاء كل ذي حق حقه وعلى رأسهم النساء.

وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مبينا بأخلاقه العظيمة ورحمته كيفية التعامل مع مطالب النساء وحقوقهن؛ فما أتته امرأة تشتكي والدا أو زوجا إلا وأنصفها ووقف في صفها، ولم ينهَ امرأة اشتكت أو طالبت بحق تراه لها، بل كان يستمع لهن ويستجيب لهن ويوصي بهن مرارًا وتكرارًا. قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.

وضرب الرسول الكريم لنا مثلا مع أهل بيته، فكان كريما، رحيما، متواضعا، رفيقا؛ لم يرفع صوته ولا يده على واحدة من نسائه ولا شيء قط، لم يفرض رأيا ولم يمنع مصلحة فكان يُكرم ولا يُهين وينصح ولا يعنفويعطي ولا يمنع عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو القائل: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

وكان موقف الصحابة على هدى الرسول، عليه الصلاة والسلام، في القصة المشهورة حين خطب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في الناس ونصحهم ألا يغالوا في مهور النساء، قال: (ألا لا تغلوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكنه ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية؛ فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر يُعطينا الله وتَحرمنا؟ أليس الله سبحانه يقول: {وآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}. فأطرق عمر، رضي الله عنه، ثم قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر).

في هذه الرواية، عن القرطبي في تفسيره، نرى أن المطالبة قد جاءت من امرأة اعترضت على كلام سيدنا عمر رضي الله عنه بينما هو قائم يخطب من على منبر الرسول، صلى الله عليه وسلم، مستنكرًا المغالات في المهور ونافيا فعل الرسول لذلك، ورغم ذلك ردته وطالبت بحقها وحق النساء في حرية تقدير مهورهن، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن استدرك وتراجع عن حكمه، وقال قولته الشهيرة «أصابت امرأة وأخطأ عمر»؛ لم يستنكر اعتراضها، ولم ينهرها، ولم يتهمها بمخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من هو، خليفة لرسول الله وأميرا للمؤمنين.

العدل مبدأ مطلق
إن من أسماء الله تعالى «العدل»، وهو صفة من صفاته، وأنه سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه فلم يظلم عباده {وما ربك بظلام للعبيد}، {إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}. وقال تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أعدل بينكم»، فالعدل بين الناس حق أصيل يطالب به وواجب من الواجبات المقدسة.

وخاطب سبحانه وتعالى الرجل والمرأة خطابا واحدا دون تمييز؛ كلفهما بالعبادات، والأحكام فلا فرق بينهما، فلها ما له وعليها ما عليه؛ فالمرأة مطالبة بعبادة الله سبحانه وتعالى، وأداء الفرائض، واجتناب ما حرم الله، وإقامة دينه، والدعوة إليه ولا يكلف بذلك ناقصا أو تابعا.

وهي يوم الحساب تقف أمام ربها سبحانه وتعالى بمفردها دون ولي من الرجال؛ لا زوج ولا أب ولا أخ يدافع عنها أو يقدم لها المعاذير.

وفي ذلك دليل قاطع على أن للمرأة عقلا وكيانا مستقلا، من حقها أن تختار وأن تختلف وأن تجادل، فهي ليست تابعا لأحد ولا ناقصة أهلية ولها الولاية الكاملة على نفسها ومالها وأبنائها وأسرتها.

وعليه، فهي مكلفة كما الرجل «بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، ومن المنكر ما يفعله الرجال في حق النساء كثير من عنف وتسلط ومنع من أبسط الحقوق، وما تفعله عقول لا تفقه وقلوب قاسية من ظلم وتعسف بإسم العادات تارة وباسم الدين تارة أخرى لأشد ظلما.

فبات من واجب المرأة الديني والإنساني أن تدعو إلى دفع الظلم عنها وعن غيرها من النساء بالمطالبة بحقوق سلبت أو غيبت، وبإصلاح ما يضرها من أوضاع قاسية أو قوانين تعسفية، وبأن تطالب بسن القوانين والتشريعات لحمايتها وحماية أسرتها.

قال تعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ}.

إذن فالمبدا في شرع ديننا الحنيف «العدل والمساواة دون تمييز»، وأن من حق الإنسان ذكرا أو أنثى دفع الظلم عن نفسه، ومن واجبه دفع الظلم عن الآخرين، وأن المطالبة بالحقوق والإنصاف والحماية حق أصيل مقدس لا تجوز مصادرته تحت أي مبرر.

وأنه إذا اختلت تلك الموازين المنظمة لعلاقة الرجل والمرأة القائمة على العدل والمساواة والإحسان وحلت قيم القهر والغبن والتسلط، فسدت العلاقة وتكدر صفو المودة وغابت الرحمة وحل الظلم بآثاره وانعكاساته السلبية والسيئة على الأسرة والمجتمع بأكمله.

فإذا أردتم الحفاظ على المجتمع، أنصفوا المرأة.
وإن أردتم حماية الأسرة، أنصفوا المرأة.
وإن أردتم اتباع نهج «محمد» - عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام- أنصفوا نساءكم واستوصوا بهن خيرا.

________________________________
* عضو مؤسس في منبر المرأة الليبية من أجل السلام