Atwasat

بعد رحيل الزعيم

علي سليمان الشريف الأربعاء 27 أكتوبر 2021, 09:45 صباحا
علي سليمان الشريف

لقد انتهى مشروع نظام سبتمبر وعهده فعليا برحيل "معمر القذافي"، ولم يعد ثمة شيء يستحق أن يقال.

كما دشنت نهايته التراجيدية نهاية فبراير "االانتفاضة" أيضا، وتواريها وتلاشيها في سديم التاريخ، بكل ما لها وما عليها، وما جاءت لأجله. وكأن نبضات هذا الرجل "الغريب"، وموازين قدره، قد انطوت، في آن واحد، على بذرة الموت والولادة.

وتلك مفارقة مذهلة قد نقف عندها طويلا يوما ما.

ولأ مشروع سبتمبر، وزخمه، وقوته، لا يتعدى شخص الزعيم، وما يبتكره من روافع وآليات خاصة، تضمن له الفاعلية والاستمرار؛ فقد غاب عنه البعد المؤسسي، وخلت قوته من رصانة النظم، وانسجام الأنساق، وقوة الأدوات الضامنة للاستقرار والديمومة، وقابلية الترجمة المتعددة وإعادة إنتاجها وتطوير تجاربها والقدرة على تكييفها باستمرار.

ولذا؛ فقد انتهى كل شيء بموته، ولم تبق إلا الذكرى والتاريخ العاطفي، أو الألام المشتركة، التي تشد شتات الموتورين من أنصاره ومحبيه بعضهم إلى بعض، بالمنهج والرؤية والمشروع المحدد، بعد أن تقطعت بهم السبل؛ رغم الحنين الجارف للأيام الخوالي.

وكذلك الحال عند الحديث عن فبراير، التي لم تكن سوى حركة شعبوية مباغتة، تحمل من المطامح والرغبات المختلطة والغامضة، أكثر من كونها تحمل أي توجهات محددة، أو مشاريع حقيقية تمتلك عدتها وأدواتها. ولذا فقد وقفت عاجزة، بعد موت معمر القذافي، عن صناعة أي شيء، سوى صياغة هياجها العاطفي، وترجمته إلى حالة من الفوضى والفراغ، وإطلاق العنف الشعبي البدائي من عقاله؛ بعد أن كان خاملا ومتقوقعا في مسارب وأخاديد الذهنية الجماعية، وما انطوت عليه من ثقافة وأنماط مقموعة بفعل سطوة النظام وهيبة الدولة.

إذن، فبعد موت الزعيم، لم يعد ثمة ما يمكن أن نسميه عهدا لسبتمبر ونظاما لفبراير؛ إنما هو عهد للفراغ والفوضى، والفاعليات المجنونة، لإنتاج الانقسام والتشظي واالقتتال.

وقد يكون من الإجحاف والافتئات على الحقيقة؛ أن نقول بأن الأوفياء لسبتمبر، هم أوفياء لرموز وذكريات وآلام مشتركة، وليس إلى مشروع حقيقي تمكنهم ترجمته والتعبير عنه؛ حتى لو ظنوا في أنفسهم غير ذلك.

وكذلك الأوفياء لفبراير، هم أوفياء لذكريات وتجارب عاطفية مع لحظات حميمة ممزوجة بشعارات مُلهمة شغوفة، وأحلام شاعرية لم يعاينوا حقيقتها قط! ولهذا؛ فقد نبذوها وراء ظهورهم، وانقلبوا عليها وانخرطوا في استدعاء واستعادة كل السياقات والمظاهر والأنماط التي كانوا يدعون بأنهم قد خرجوا لأجل هدمها وتقويضها واجتثاثها من جذورها.

وهذه الحقيقة، بالرغم من كونها مرة وأليمة لكلا الطرفين، إلا أنها حقيقة تحمل في طياتها عناصر مهمة جدا، لبناء مستقبل جديد؛ وذلك لأنها تدعو كلا الطرفين إلى أن يمتلك شجاعة إيجابية، وجيدة.
الاعتراف بأنه خالي الوفاض من كل ما يمكن تسميته بمشروع خاص لصناعة الوطن على مقاسه.

إن الأوهام بامتالك مشروع متكامل، أو حتى شبه مشروع، لصناعة المستقبل، ليس سوى تميمة للتمزق، والضياع، والابتعاد القصي عن مقدمات الحل.