Atwasat

لدينا «برلين» فلماذا «باريس» الآن؟

بشير زعبية الإثنين 25 أكتوبر 2021, 11:12 صباحا
بشير زعبية

لا أعلم لماذا دعت فرنسا إلى مؤتمر باريس حول ليبيا، في نوفمبر القادم، أي قبل شهر من موعد الانتخابات المفترض، ولا أدري ما الجدوى من هذا المؤتمر، ونحن مازلنا نمضي في مسار مؤتمر برلين الذي ينبغي أن يستمر حتى حلول الموعد الانتخابي، وفق مخرجاته التي تبناها مجلس الأمن عبر قراره رقم 2510 لسنة 2021، والذي انعقد تحت عباءته الحوار السياسي الليبي في تونس.

وأنتج خارطة طريق تقود إلى انتخابات رئاسية، وتشريعية في موعد حدد بـ 24/ 12/ 2021.. لقد تضمنت مخرجات برلين مبدأ وقف إطلاق النار، وخروج المرتزقة، والقوات الأجنبية من ليبيا، وهو ما تبلور فيما بعد ضمن قرارات اللجنة العسكرية (5+5)، وجرى تحديد خطوات تنفيذه، بما في ذلك تحديد من سيراقب وقف إطلاق النار، واليوم بدأ بالفعل وصول هؤلاء المراقبين ليبيا، فماذا سيضيف مؤتمر باريس؟..

كثير من الليبيين لا يثقون في الدور الفرنسي في بلادهم، سيما وأن هذ الدور حاليا مهمش، وتحديدا منذ «برلين»، لذا من المرجح أيضا أن تكون الخطوة الفرنسية هي محاولة للعودة إلى الملعب الليبي من باب عاصمتها باريس، لتلحق ببقية اللاعبين حيث صراع المصالح، فرنسا أيضا تريد تعزيز وجودها في الساحل الأفريقي أمام المعطيات التي تؤكد تراجع دورها حتى في مناطق نفوذها التقليدية، جنوب الصحراء، مقابل حضور لاعبين آخرين مثل الصين، وتركيا، وروسيا، فالدب الروسي الذي يأخذ شكل «فاغنر» الآن يضع مخلبا في أفريقيا الوسطى، بعد أن غرز مخلبا في ليبيا، وعيناه تحومان بين مالي والسودان وتشاد ليتمترس في قلب القارة، ولا تكاد فرنسا ماكرون تخرج من أزمة إلا لتدخل أخرى، فمن مالي إلى الجزائر، حيث افتعله من أزمة دبلوماسية مع الجزائر، ما اعتبره الجزائريون تطاولا منه على بلادهم حين أنكر وجودها قبل فترة الاستعمار الفرنسي.

وأمام الوضع المضطرب في تونس، لا تريد فرنسا أن تخسر ليبيا، وهي التي اتبعت حكومتها سياسة مشوشة منذ العام 2011، فهي دشنت العمليات العسكرية في ليبيا (19/ 3/ 2011)، بقرار من رئيسها السابق ساركوزي الذي قبض قبلها أموالا من العقيد القذافي لتعزيز حملته الانتخابية، وفي حرب طرابلس اصطفت إلى جانب أحد أطراف الحرب، وتورطت في إدخال السلاح إلى ليبيا ( صواريخ جافيت التي عثر عليها في غريان، في يوليو 2019)، بل تورطت في تدخل عسكري مباشر على الأرض، حين كشفت على لسان رئيسها، فرانسوا هولاند وجود قوات لها في ليبيا، عقب مقتل ثلاثة من ضباط الصف التابعين للقوات الخاصة الفرنسية في واقعة سقوط غامض لطائرة عسكرية مروحية، شرق ليبيا.

بمعنى أنها فقدت صفة الوسيط الذي قد تقبله كل أطراف الأزمة، ودخلت صراعات أدوار مع إيطاليا التي تعتبر نفسها معنية أكثر بالحالة الليبية لأسباب تاريخية، وأخرى حاضرة مثل مسألة الهجرة غير الشرعية، بينما انحصرت الرؤية الفرنسية في موضوع الإرهاب، وتركزت سياستها على الجانب الأمني، من ليبيا إلى مالي، مرورا بتشاد والنيجر، ضمن زاوية رؤية واحدة، همها «تعزيز أمن الشعب الفرنسي والدول التي هي أصدقاء لفرنسا» وفق تصريح وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، إلى صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، في مايو 2019، وهي الرؤية التي تحكم الدور الفرنسي في ليبيا، وجعلتها تراهن على مشروع حرب السيطرة على العاصمة طرابلس، وتدعمه سياسيا وميدانيا، قبل أن تخسر رهانها بفشل هذا المشروع الذي قاده المشير خليفة حفتر، ويزداد موقفها تجاه الأزمة الليبية أكثر ارتباك.

ما مكن ألمانيا من موقع الوسيط الحيادي أن تخطف الملف الليبي، وتذهب به إلى برلين، وتنجح في الدفع بمخرجاته إلى قاعة مجلس الأمن، ليرتدي عباءة أممية عبر القرار 2011، وفيما نجحت الدبلوماسية في البناء على مؤتمر «برلين 1» لتنظم «برلين 2» وتحشد له دوليا، وأمميا، فإن المعطيات الحالية تستبعد أن تفلح فرنسا في البناء على مؤتمر باريس الذي نظمته في آخر شهر مايو 2018، على الرغم من أنها جمعت فيه للمرة الأولى بين أطراف الأزمة الرئيسيين الأربعة، وهم، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج والقائد العام للقيادة العامة، المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة، خالد المشري، وحدد مؤتمرها موعد أقصاه 10/ 12/ 2018  لإجراء الانتخابات في ليبيا، لكنها فشلت في جعل ذلك الموعد واقعيا، يحظى بهذا الإجماع الدولي الأممي الذي حظيت به مخرجات برلين، وتحديدا فيما يتعلق بتحديد 24/ 12/ 2021 موعدا لإجراء انتخابات تشريعية، ورئاسية في ليبيا.

إزاء هذا الطرح، فإن الخشية هي أن ينتج مؤتمر باريس القادم ما من شأنه أن يخلط الأوراق، ويشويش على المسار السياسي الحالي السائر على طريق الاستحقاق الانتخابي، ويظل السؤال قائما، ومشروعا، وهو: لماذا تدعو فرنسا في هذا التوقيت إلى مؤتمر في عاصمتها، وعلى مستوى القمة؟.