Atwasat

دعوى نشر الديمقراطية؟

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 24 أكتوبر 2021, 09:31 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

دار، ويدور، كلام غزير حول الديمقراطية، وشكلت، منذ قرن على الأقل، سيلاً جارفاً في دول الغرب، فاض شيء منه على أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية. ونشأ عن ظهور الديمقراطية في أوروبا وتبلورها هناك، عبر المخاضات المعروفة، قلب لأنظمة الحكم القائمة المتسمة بالشمولية، أي بتركز السلطات في يد الملك، إلى أنظمة جمهورية (نسبة إلى الجماهير). وحتى في البلدان التي ظلت ملكية فإنها تعتبر أنظمة جمهورية في جوهرها، بما أن الملك أصبح مجرد رمز تاريخي وثقافي مسلوب من أي سلطات تنفيذية، أي أنها تحولت إلى أنظمة ملكية خالية من المحتوى الذي كان يملأ شكل الأنظمة الملكية. وبذلك انقلبت الأوضاع رأساً على عقب بحيث انتقلت السلطة التشريعية من الملك والطبقة الحاكمة إلى الشعب عبر المجالس النيابية الممثلة له من خلال نواب منتخبين من قبله.
وفي هذا المقال نريد أن نركز على ما يدعيه الغرب عموماً، أي أوروبا وأميركا، من أنه يستهدف نشر الديمقراطية في البلدان غير الغربية التي لم تتجذر الديمقراطية فيها، وتقاوم دخولها إليها.
هذه الدعوى زائفة تماماً بشكل سافر، وبذا فهي دعوى لا أخلاقية. ذلك أن الدوائر السياسية الحاكمة في الغرب تعلم، علم اليقين، أن تجذر وقيام أية ديمقراطية حقيقية في هذه البلدان سيكون ضد مصالحها، لأنها ستكون معادية للاستعمار، مهما كان ناعماً، ورافضة لأن تكون هذه البلدان بيئة للاستغلال الاستعماري الرأسمالي، أي أن تكون تابعة، اقتصادياً وسياسياً للغرب. إضافة إلى أنها ستكون معادية للعنصرية، ومعادية، في الوطن العربي، للصهيونية وكيانها الذي نصبه الغرب على أرض فلسطين كقلعة استعمارية متقدمة تشكل امتداداً للغرب الاستعماري وككيان ديني يتنافى مع الجوهر العلماني للديمقراطية.
فكلنا يعلم أن الغرب ساند دوماً الأنظمة الدكتاتورية، بل أسهم في قيام بعضها، ودعم الأنظمة الرجعية التقليدية، ما دامت مبقية على تبعيتها له، ذلك أنه لا يهتم بسوى الأنظمة التي ترعى مصالحه. فالغرب يفرق بين أنظمة دكتاتورية وقمعية ترعى مصالحه، وأخرى دكتاتورية تعادي، بهذا الشكل أو ذاك وإلى هذه الدرجة أو تلك، مصالحه وأهدافه الاستغلالية. فأميركا غزت غرينادا، سنة 1983، وهي جزيرة صغيرة في الكاريبي، ربما لا يزيد عدد سكانها عن عدد سكان مجموعة ناطحات سحاب بنيويورك، مثلما عبر مندوب ليبيا في هيئة الأمم المتحدة حينها، ليس حماية للديمقراطية، وإنما لقيام انقلاب عسكري بها ذي نزعة ماركسية متشددة بحيث يمكن أن تشكل حليفاً لكوبا وتكون صديقاً مقرباً للاتحاد  السوفياتي. وغزت بنما، سنة 1989، وأسقطت رئيسها نورييغا، ليس لأنه دكتاتوراً معادياً للديمقراطية، وإنما لأنه كانت لديه توجهات لاستعادة قناة بنما إلى السيادة البنمية. ولم تكن لتهتم بمصادرة نظام طالبان لأبسط الحريات من الشعب الأفغاني لولا عملية 11 سبتمبر 2001 التي كان وراءها تنظيم القاعدة المتخذ من أفغانستان مقراً. كما أنها لم تكن لتكترث بتنكيل صدام حسين بالشعب العراقي لو لم يهدد مصالحها باحتلاله الكويت ولولا تهديده «أمن» إسرائيل، ولا بما يفعله حافظ الأسد بالشعب السوري لو لم يكن يتخذ موقفاً معادياً لإسرائيل ودعمه لأعداء هذه الأخيرة المتمثلين في المنظمات الفدائية الفلسطينية وحزب الله اللبناني. كما أن الغرب لم يكن معنياً بممارسات القذافي الاستبدادية على الشعب الليبي لو لم يمثل تهديداً لمصالحه ولولا امتلاكه بعض أوراق المساومة وتأييده لحركات التحرر من مثل الجيش الجمهوري الإيرلندي في القسم الإيرلندي الذي تحتله بريطانيا وحركات التحرر الوطني في أفريقيا وفلسطين ودعمه الحركة الوطنية في لبنان، إضافة إلى بعض مغامراته الخرقاء من مثل تفجير طائرة البانام الأميركية فوق قرية لوكربي الإسكتلندية.