Atwasat

في العلاقة بين البشر والقوانين

جمعة بوكليب الخميس 21 أكتوبر 2021, 10:19 صباحا
جمعة بوكليب

رغم ما تسرقه القوانين منّا من حرّيات، وما تضعه أمامنا من عقبات، وما تخلقه من عراقيل، إلا أننا كبشر ارتضيناها طائعين، وقبلنا شروطها، لضرورتها لتنظيم الحياة البشرية أولاً، ولما يعود علينا من فوائد ومنافع ثانياً. بمعنى أن المقايضة، في الدولة بمعناها الحديث، بين الحكومات والمواطنين، اقتضت منّا كمواطنين تسليمنا طوعاً لبعض من حرياتنا، مقابل أن توفر لنا الحكومات الأمن والأمان اللازمين للاستقرار أساس العمران، كما يؤكد على ذلك العلامة ابن خلدون في مقدمته. القوانين وجدت لتفصيل وتفعيل حقوق وواجبات المواطن والدولة.

فلكل حقوقه ولكل واجباته. لكن ليس كل المواطنين في مختلف دول العالم يلتزمون باحترام القوانين. لذلك كثيراً، ما يسعون إلى تقويضها، أو مخالفتها، أو في أضعف الأحوال ليها، وتمطيطها، بحيث يتجاوزون قانونياً ما تضعه أمامهم من مطبات وعقبات. الأمر لا يقتصر على المواطنين، بل يشمل الحكومات أيضاً، التي تضع وتفرض بالقوة تلك القوانين. وإذا كان المواطن مغلوباً على أمره، ولا منجى له من انتهاك القانون، تجنباً لغرامة مالية، أو لعقوبة السجن والحرمان من الحرية لفترة زمنية، فإن الحكومات كثيراً ما تكون في مأمن من العقوبات.

وفي المركز في علاقة البشر بالقوانين، أن يحترم واضعو القوانين ما يفرضونه على مواطنيهم من تنظيمات ولوائح ونظم، ويكونوا أول من ينفذها، لكي يكونوا قدوة لمواطنيهم. إذ لو فعلوا غير ذلك، لفقدوا مصداقيتهم كصانعي قرار، ومصممي سياسات وقوانين، ولقامت عليهم الدنيا، وتحول انتهاك القانون إلى عادة يومية لدى المواطنين، تجعل وجودها مثل عدمها.

وفي هذا السياق، يحضرني مثالان، عاصرتهما شخصياً في بريطانيا، يستحقان التذكير. يتعلق الأول باحترام المسؤول للقانون، والثاني بعدم احترامه للقانون. الحالة الأولى مثلّها السيد جاك سترو، حين كان وزيراً للداخلية، في حكومة السيد جوردون براون رئيس الوزراء العمالي، حين تورط ابنه المراهق في عمل مخالف للقانون، فقام باصطحابه شخصياً إلى أقرب مركز شرطة لسكناه، لتقديم إفادته رسمياً، في محضر قانوني رسمي. ويمثل الحالة الثانية السيد مات هانكوك وزير الصحة السابق، في حكومة السيد بوريس جونسون الحالية، حيث ضبط متلبساً بمخالفة قانون الحجر الصحي، الذي وضعه وفرضه على المواطنين، في فضيحة أخلاقية، هزت بريطانيا، فاضطر خانعاً إلى تقديم استقالته. الاثنان نموذجان مثاليان لموقف المسؤول من القانون. الأمر لا يقتصر على المسؤولين الحكوميين، بل يطال الأثرياء والمشاهير والأقرباء والمقربين للمسؤولين وذويهم، وغيرهم.

وما دعاني للحديث عن هذا الموضوع، تجربة شخصية، حدثت أمامي، في بداية هذا الأسبوع، صباح الأحد الماضي تحديداً، وجعلت منّي شاهد عيان. إذ إنني، ذلك الصباح، لدى مغادرتي مقر إقامتي في منطقة الظهرة بطرابلس، عنَّ لي، فجأة، تغيير خريطة السير، باختياري طريقا موازيا للطريق الرئيسي، التي تقود إلى وسط المدينة، وبغرض احتساء فنجان قهوة في مقهى يقع قريباً من جامع عتيق ومعروف ( جامع الجداع،) على مقربة من مقر شركة ايني النفطية الايطالية (مليته.) عقب انتهائي من احتسائي فنجان قهوتي، غادرت المقهى متجها إلى وسط المدينة، متجاوزا مقر الشركة المذكورة أعلاه، وعلى وشك الوصول إلى نهاية الشارع، حين فجأة وجدت الطريق مسدودة أمام أصحاب السيارات، الذين كانوا مثلي متجهين إلى وسط المدينة، أو إلى جهات أخرى. سبب الإعاقة المرورية التي تسببت في خلق طابور طويل هو موكب متكون من أربع سيارات دفع رباعي، وفخمة لا أعرف أسماء ماركاتها. كان الموكب داخلاً من شارع ممنوع، وبحضور شرطي مرور، في طريقه إلى مقر شركة مليته.

السيارة الأولى من الموكب كانت تقل مدير الشركة، والبقية للحراسة. وبدلاً من أن يقوم شرطي المرور بمعاقبة السيارات المخالفة للقانون، وزجر سائقيها، وإجبارهم على التراجع، تكفل بتسهيل مهمتهم في خرق واضح لقانون المرور، المطالب بتطبيقه على المواطنين. وطلب من أصحاب السيارات الواقفة التراجع للخلف، لكي يتمكن موكب مدير شركة ايني من المرور إلى مقر الشركة. الشرطي، إما بمزاج شخصي أو بأمر من رؤسائه، عاقب محترمي قانون المرور، بإجبارهم على التراجع خلفاً، لمساعدة سائقين مخالفين للنظام المروري.

لا أعرف على وجه الدقة الدافع إلى قيام مدير شركة كبيرة إلى القيام بعمل، من وجهة نظري، سخيف، كان من الممكن جدا تفاديه، باللف والدوران لمسافة قصيرة حول ذلك الشارع عبر شارع جانبي. أهمية الشركة، وأهمية مديرها وأمنه الشخصي على الرأس والعين، وحمايتهما من الأذى واجب وطني، لدورهما في خدمة البلاد. وبالتأكيد فإن ذلك المدير الكبير، في تلك الشركة النفطية العملاقة، يداوم يوميا في مكتبه بالظهرة، ويحرص على تنفيذ لوائح ونظم الشركة، من دون تهاون ومعاقبة المخالفين. وكان من الأسهل له، والأفضل لسمعته ولسمعة الشركة وشرطة المرور الليبية لو أنه حرص على عدم مخالفة القانون، بإصراره على الوصول إلى مكتبه عبر شارع ممنوع، وفي مخالفة صريحة للقانون، وسخيفة، ومحرجة له ولشركته وللدولة المضيفة.