Atwasat

سفنزة لكل مواطن

صالح الحاراتي الأربعاء 20 أكتوبر 2021, 09:14 صباحا
صالح الحاراتي

فى أحد إدراجاتى على "الفيسبوك" كتبت: (سفنزة لكل مواطن حق دستورى)، مع أيقونة ضاحكة، ولقي ذلك الإدراج الكثير من التفاعل والقبول مما أحدث الكثير من النكات والقفشات، الأمر الذي دفعني هنا إلى تناول المغزى وراء تلك العبارة، وبالطبع لا بأس من التعريج على بعض تفاصيل هذه الأكلة الشعبية السائدة.

تقول "الويكيبيديا" أن السفنز في ليبيا هو عبارة عن نوع من المعجنات الطرية المقلية اللذيذة، يشبه الفطائر، وقد يتم قلي بعض البيض معه، يحضر في فصل الشتاء ويقدم كفطور أو عشاء، ويحضر كذلك في الأعياد وخصوصاً عيد الفطر، وكذلك يتواجد على سفرة الفطور في شهر رمضان. ويوزع على الأحباب والجيران والأقارب ابتهاجاً بقدوم مولود جديد.

أنا من عشاق السفنز ولي ذكريات كثيرة معه خصوصا فى طفولتى..
الأمر الجديد الذي ورد على عقلي هو علاقة السفنز بالدستور!!

بداية، وقبل الدخول فى صلب الموضوع، أريد أن أنبه إلى خطأ الاعتقاد بأن السفنز مضر بالصحة، فالحقيقة التى أراها أنه بريء من كل تلك التهم المجحفة.. فمكوناته بسيطة ولا ضرر منها إذا التزم صانع السفنز "السنفاز" ببروتوكول النظافة وعلى رأسها جودة الزيت ونظافة اليدين والمكان والحفاظ على سمعة طيبة " لفوطة السنفاز" التى يضرب بها المثل فى عدم النظافة.. ونلاحظ أن كل هذه التدابير تتعلق بالعامل الإنسان ومدى التزامه بمواصفات الجودة ولا علاقة مباشرة للسفنز بالمضار التى يدعون أنه يسببها.

"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" قول اراه صحيحا. فالقصد من ورائه، وباختصار، هو ضرورة أن يتمتع الإنسان بالحرية وممارسة حياته الروحانية.. ولكن ذلك لا يعني أن الخبز غير ذي قيمة للإنسان.. فأحكام الغريزة واجب احترامها أيضا كما يجب احترام حرية الإنسان وضمان استقرارها كقيمة عليا فى المجتمع،
وهنا اجترحت الذاكرة السفنز- بدل الخبز- والإشارة إلى ضرورة تضمينه فى الدستور من باب المزح للتعبيرعن حقوق المعيشة التى يجب أن تؤخذ فى الحسبان.. ولا شك في صحة مقولة السيد المسيح "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" ولكن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الخبز أو "السفنز" ـ و المقصود هو كل الحاجيات الأساسية التي لا غنى عنها بالنسبة للإنسان ـ هى قاعدة المجتمع الأساسية وبدون أن يتوفر الخبز لكل الناس لا نستطيع إقناع الناس بكل القيم الروحية والمعنوية في غياب أساسيات البقاء على الحياة!.
فبدون تحرير الإنسان من حاجته المعيشية لا يمكن الحديث عن القيم المعنوية التي يمكن لهذا الإنسان أن ينتفع بها، وفي حضرة الجوع لا يمكن للإنسان الالتفات إلى باقي الضرورات لأنها تبقى عاجزة عن سد رمق هذا الإنسان حين يجوع.. ألا تلاحظون امتعاض وغضب الناس وحنينهم لتذكر أيام (العشر فردات بربع).. ولذا.. فبعد أن يتوفر الخبز لكل الناس نستطيع القول عندها "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".
فالحق في مستوى معيشي لائق هو حق أساسي من حقوق الإنسان.. وهو جزء من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي قبلته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، والتحرر من الحاجة حق أصيل ، فالمادة 25-1 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تقول:
«لكل فرد الحق في مستوى معيشي ملائم لصحة ورفاهية نفسه وأسرته، بما في ذلك الحق في (الغذاء ) ، والملبس، الحق في السكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية والحق في الضمان الاجتماعي في حالة البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من عدم توفر سبل العيش في ظروف خارجة عن إرادته.» .
وفى الكليات الكبرى من الناحية الدينية يأتى حفظ النفس ضمن الضرورات الخمس وهي: حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ المال، وحفظ العرض، وحفظ العقل.. ولا شك أن حفظ النفس مرتبط ارتباطا عضويا بضرورة توفير الغذاء للإنسان حتى تستمر حياته بل وفى تقديرى يفترض أن توفير الغذاء لأجل حفظ النفس يقع فى ترتيب سابق على حفظ المال والدين والعرض والعقل.

وأخيرا، ولو تمعنا فى مكونات السفنز سنجدها تحتوي على العناصر الأساسية مثل الكربوهيدرات والدهون والبروتين مما يجعله غذاء معقولا بالحد الأدنى..
ومن ذلك جاءت عبارتى..
"سفنزة لكل مواطن حق دستوري"