Atwasat

إشارات وأفكار حول ترشح سيف الإسلام معمر القذافي للانتخابات الرئاسية المقبلة

علي سليمان الشريف الثلاثاء 19 أكتوبر 2021, 09:27 مساء
علي سليمان الشريف

لا شك أن السيد سيف الإسلام لديه ما يكفي من التعقيدات العويصة، التي تكتنف ملفه في محكمة الجنايات. كما أن قضيته في أروقة المحاكم المحلية لم يُفصل فيها بعد. وهي الآن أبعد ما تكون عن الفصل؛ في ظل السباق الرئاسي المحتمل، وما يحكمه من توازنات و«مراكز قوى» ليس من صالحها تسوية هذا الملف مبكراً، وفي هذا الوقت بالذات.

وحتى قانون العفو الصادر من البرلمان الليبي، الذي يمكن أن يُستفاد منه ويُتكأ عليه؛ لن يُعتد به دولياً، لمخالفته للمعايير المقرة كما ورد في تعقيب محكمة الجنايات على دفوع محامي سيف الإسلام.

هذا دون أن نتجاهل تلك الخطوات التي يتوقع أن يتخذها بعض المنافسين الأقوياء لمنع استخدام البرلمان كمنبر للدفاع عن قانون العفو الذي أصدره سابقاً.

وفيما يبدو لي، فإن الوقت قد بدأ ينفد أمام أية محاولة للترشح من قبل سيف نفسه، وأنه لم يعد يكفي ربما للفروغ من حلحلة كل هذه العقد والتشابكات وتفكيكها قبل انتهاء الموعد المقرر لقبول المترشحين.

ولذا، فإنه من المناسب أن يتم الدفع المفاجئ بالسيد «محمد معمر القذافي» الذي لا شك بأن بعض الشخصيات النافذة في النظام السابق كـ«قادة الحرس الحديدي» يفضلونه كثيراً على أخيه سيف، حتى أثناء حياة أبيه الراحل.

وأما الآن وبعد «انتفاضة فبراير» فقد تواردت إشكالات إضافية ذات بُعد جذري، سيجعلهم ليس فقط لا يفضلونه ولا يرتاحون إليه؛ إنما يناصبونه العداء سراً، ولا يتمنون له أن يكون على سدة الرئاسة بأي ثمن كان. فهم كانوا، قبل فبراير، يرفضون تقييمه لأوضاع البلاد، ويكرهون أفكاره وتوجهاته الإصلاحية التي ترجمها نظرياً في مشروعه المسمى بـ«ليبيا الغد». كما كانوا -في الوقت نفسه- يعارضون طريقة تعاطيه مع معارضي النظام في الخارج، وتلك الصراعات المتشعبة التي حاول أن يخوضها مع المنظومة القديمة وأدواتها، لأجل تفكيك مراكز القوى، والتخفيف من حدة القبضة الأمنية المهيمنة على مقاليد الدولة، وإفساح المجال للمزيد من حرية التعبير والصحافة والإعلام، وإطلاق فاعليات المجتمع المدني كشرط مبدئي لإنجاح المشروع.

وأما بعد سقوط نظام والده، فقد صار أقطاب الحرس الحديدي يلقون عليه باللائمة كاملة، ويتعاطون معه كشماعة يعلقون عليها ما آلت إليه الأمور من انهيار وسقوط بعد ذلك. في حين أنه كان يتهم هؤلاء بالجبن والخيانة أو بالتخلي عن أبيه الراحل وإخوته وعائلته؛ بل ويسند إليهم المسؤولية الكاملة في عرقلة مشروعه في تطوير البلاد وإرخاء قبضة القمع والفساد والاستبداد وفتح أبواب الحريات وتحرير الاقتصاد؛ والذي لولا أنه قد أفشل وأحبط في مسعاه لما حدث ما حدث حسب اعتقاده.

وهذه عوامل منطقية مضاعفة للتخوف والرفض.
فهم من جهة:
لا يثقون به وبأفكاره وتوجهاته الإصلاحية وتفاصيلها تلك.

ومن جهة أخرى:
فإنهم يتوجسون خيفة من أنه سوف يحاسبهم ويعاقبهم، أو يهمشهم ويقصيهم، إذا آلت إليه السلطة وتمكن من حكم البلاد في وقت ما.

ولعل هذه العوامل المذكورة تجعلنا نتكهن بقدر من المعقولية بأن ورقة سيف الإسلام المشرعة من قبل رموز النظام السابق، التي يجهدون أنفسهم لأجل إشاعتها وتكريسها في أوساط الرأي العام الشعبوي وعند عموم «تيار الخضر»؛ هي في الحقيقة لا علاقة لها بسيف شخصياً، إنما هي لأجل التوطئة لشقيقه الأكبر محمد، الذي سوف يبرزونه كورقة رابحة في الوقت المناسب. وهو خيار معقول سياسياً دون شك، في ظل وجود حقائق عدة أهمها ما يلي:

الأولى: أن محمد القذافي لا يحمل على أكتافه قضايا وتعقيدات قانونية حقيقية أمام القضاء المحلي أو الدولي.

الثانية : كونه متنائياً عن الصراع الداخلي الذي كان محتدماً بين أجنحة النظام.

الثالثة: أن محمد شخصية دمثة ومقبولة شعبياً على نطاق واسع في حياة والده بقدر يفوق جميع إخوته.

كما أن معظم أتباع فبراير لا يحملون له في ذاكرتهم الثأرية ما يستوجب الضغينة والرفض والاستهجان في شخصه، بغض النظر عن كونه ابناً لمعمر القذافي.

الرابعة: أن محمد «الشاب» لم يكن قريباً من شؤون الدولة الأمنية أو العسكرية أو السياسية، أو لصيقاً بالتجاذبات الحاصلة حينذاك، وهذا يعد كافياً لاعتباره «درويشاً» أو قليل الخبرة؛ مما يُغري رموز النظام السابق الموجودين حالياً بإمكانية السيطرة عليه، والهيمنة على قراره، وإدارة البلاد من خلاله، بل واستعماله ربما كواجهة رمزية، دون أن يتحملوا هم أعباء المسؤولية المباشرة، فيما لو تسنى له أن يفوز في الانتخابات المقبلة. وذلك خلافاً لسيف المجرب الحاذق بطبيعة الحال.

الخامس: كون تيار الخضر، الذي لا شك بأن معظمه يفضل أن يعطي صوته لسيف ويتمنى أن يراه رئيساً للبلاد، سوف لن يجادل في إعطاء صوته لمحمد شقيقه، في حال غيابه وتعذر مشاركته في الانتخابات لأي سبب كان. فالخيار هنا لا يتعلق بمعايير الكفاءة والأداء بقدر ارتباطه بالعواطف والمعنويات ورد الاعتبار، إن لم نضف إليها بعض الفرضيات الأكثر تعقيداً.

السادس: وإن كنا لم نسمع تحفظاً جذرياً أو فيتو على مشاركة عائلة القذافي في إدارة شؤون البلاد فإن معظم الدول الضالعة في الملف الليبي كفرنسا وبريطانيا والإمارات والمملكة السعودية والولايات المتحدة، لا يروق لها ترشح سيف الإسلام، بل إن بعضها ينظر إليه بعين الريبة، وقد يرفعه إلى قائمة المخاطر المحتملة! وذلك لعدة أسباب معروفة أهمها ما يلي:

الأول: لكون سيف الإسلام كان مستهدفاً شخصياً من قبل كل الدول التي شاركت في تقويض أركان الحكم الذي كان يمثل وزناً فيه.
الثاني: تبني الدولة الروسية لترشحه وتحمسها لفكرة حكمه للبلاد مما يثير مخاوف الأوروبيين والأميركان معاً.
الثالث: صعوبة التغاضي عن ملف الجنايات الدولية، الذي شاركت هذه الدول في صنعه وتأثيثه بنفسها.
الرابع: خشيتها من أن يكون سيف الإسلام محملاً بالغل والضغينة، مضمراً لممارسة النكاية بكل الدول التي ساهمت في الإطاحة بهياكل النظام القائم حينذاك.
الخامس: كونه قد يقلص حظوظ بعض المترشحين في السباق الرئاسي.
السادس: لعل البعض يتخوف من استقواء المناطق المحسوبة على النظام مما قد يؤدي إلى تجدد العنف الشعبي وتفشيه على نطاق واسع.
السابع: قد تفكر بعض الدول بأن وصول سيف إلى سدة الحكم، ونجاحه في إرساء معادلة الأمن وتوحيد الدولة، قد يضيق من نطاق المناورة التي دأبت على احترافها وتدويرها، في ظل جهل وخمول الدبلوماسية الليبية، واستشراء العبث السياسي، بعد سقوط النظام.