Atwasat

لأجل إضاءة ماضى المستقبل!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 19 أكتوبر 2021, 10:39 صباحا
أحمد الفيتوري

أما قبل، فإني في مقالي هذا، لا أرد على مقال سالم العوكلي: "المراحل الليبية والمقارنة المجحفة"، ما نُشر ببوابة الوسط 28 سبتمبر 2021م. ولكن أعتبره قاعدة، لمناقشة قضايا مازالت ملحة، رغم كل شيء، باعتبار أنني أتفق معه، فيما يخص الاختلافات، بين النظام الملكي الليبي، ومن انقلب عليه، وأني أشرت وركزت، على المشترك بين السلطتين فحسب. وكما ركزت على المشترك، فيما يخص النموذجين السلطتين الليبيتين، سأركز هنا على ما رأيت أنه مشتركهما، أي العلاقة بين السياسي والديني.

ومن هذا خلصت، من سالم العوكلي نفسه، إلى مسند رئيس: "الألم المزمن، في هذه الأمة، التي ما انفكت عبر التاريخ، تحدق في السماء، بينما الخراب يتراكم عند قدميها. مثل الفلاح البعلي، الذي يحدق في الغيوم، ويصلي لها، وتحت أقدامه على بعد أمتار، يجري نهر مياه.

أو مثل قبائلنا، التي كانت في أيام الجوع، تتحارب على سقط المتاع، وتنتظر مائدة من السماء، بينما الكنز، الذي جعلها تبني ناطحات السحاب، تحت أقدامها". هذا ما كنت أشرت إليه، ثم ركزت عليه، في مقالي: "المستقبل لا ييأس من الانتظار!"، وكان رأي العوكلي هذا، قد ورد في مقاله: "ليس في الجراب غير الدين".

ومن هذا المنطلق، الذي أورده سالم العوكلي، كنت كتبت مقالة "ليس في الجراب غير الدين"، ما أثار في تقديري، الحوار والنقاش بيننا. وتبدو هذه المسألة دامغة، خاصة في المرحلة الحالية، فالصراع السياسي يتقنع بالمسألة الدينية، حتى ما سُمي بالإرهاب الدولي، يتمظهر كما حرب دينية، بين متطرفين دينيين، ومدافعين عن أمن البشرية والدين الصحيح. وجميعنا نعرف أن التوكيد، على مسألة الدين، كمسألة سياسية، قد تم صبغه، غبّ الغزو السوفيتي لأفغانستان!، والثورة الإيرانية، وسيطرة الرئيس السادات، على السلطة في مصر.

لكن ما أشار إليه العوكلي وأوردناه، هو المرجعية التي استند عليها ما دُعي بالإسلام السياسي، والولايات المتحدة وحلفاؤها، في حربهم الصليبية، ضد دولة الإلحاد (الاتحاد السوفيتي).

هكذا نجد أن المسألة الدينية، فيما يسمى بالعالم الإسلامي، ليست مسألة سيسولوجية أيديولوجية فحسب، بل مسألة سياسية وجو سياسية. وفي الكتاب الاستقصائي: "مسجد ميونخ" (تأليف إين جونسون – ترجمة أحمد جمال أبوالليل)، سنجدها في بعدها الدولي الإجرائي، كالاستخباراتي مثلا. مسألة تحظى باهتمام خاص، في الدولة النازية، وعند هتلر بالأساس. ومن ثم روابط، بين الحركات السياسية الدينية كالإخوان، واهتمام الدولة النازية، ما ورثته الولايات المتحدة.

وسيكون مسجد ميونخ، كعبة للمخابرات الدولية خاصة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، ونجد في سردية مسجد ميونخ، مهمة أيضا للمملكة الليبية، كما للمملكة الهاشمية، وغيرهما, وهذا ما يدركه كل مهتم. إن المسائل السياسية، الحاضرة بقوة الساعة، ذات جذور، وإن الصراع على السلطة، يقع في دائرة الصراع على المصالح والنفوذ.

ومن هذا اشتبكت المسألة الليبية، في المسائل الدولية، للحظة التاريخية، ما عنوانها: حروب ما بعد الحرب الباردة.

هذه الحروب التي لبوسها، بطاقة الهوية، خانة الدين، ما هو كما وكد سالم العوكلي، في رددوه عليّ، مسألة سياسية أيضا. ولعل هذا الداعي، لاستبيان الدلالة في المدلول: المقارنة بين السلطتين الحاكمتين السابقتين في ليبيا، ومن ثم المرفوع، في السلطات الحالية المنقسمة على نفسها. وبهذا نبحث في مسألة أساس، ما يغيبها الشيطان، الكامن في التفاصيل.

نعم الحرب الأهلية حرب ماضوية، حيث لا مبرر لها في المستقبل، وكما اشتهر عن ابن خلدون: الناس في السكينة سواء فإن جاءت المحن تباينوا، أو كما قال. وليس كما استدعاء الجد، وسيلة لتقعيد التباين، فالسلف الصالح، من يبرر حروب الخلف. الخلف من يرقد، على شاهد قبر الأسلاف هنيئا مريئا، فمن هنا تم ويتم استرجاع الدين، حيث كلٌّ يدعي أنه حزب الله.

وهذا ما يستدعى، أن لا ننفر من البحث في المشترك، وأحيانا قبل المختلف. لأنه الأساس من حيث أن البشر واحد، ومن الكل يمكن تبين الجزء، أي معرفة المختلف، حيث يرجح الاختلاف كتفصيلة، قد تكون رفة الفراشة، لكنها ليست كذلك في الأغلب.

وفي عالمنا الحديث، الدولة تحيل على الدولي بالضرورة، فكان تأسيس الدولة الليبية مسألة دولية، جعلتني مجازا اُسميها دولة الأمم المتحدة. أما الساعة وأنا أكتب هذا: ليبيا دولة المؤتمرات الدولية، حتى أنه ثمة مؤتمر أول في طرابلس، في شهر أكتوبر الحالي، يعقبه في شهر نوفمبر القادم، مؤتمر بباريس...