Atwasat

يا ظالمني: حوارية العلاقة بين العامة والمسؤولين

طارق القزيري الأحد 17 أكتوبر 2021, 05:11 مساء
طارق القزيري


عندما غنت «الست» أغنيتها العظيمة «يا ظالمني» لم يخطر ببال «أحمد رامي» أنه سيرسم لوحة استباقية لعلاقة معقدة وملغزة، كالعلاقة بين المسؤولين في دولنا، والمسؤولين عنهم من المواطنين. ففيما يشكو المواطنون من تردي الأحوال العامة، وضعف الخدمات، وانتشار الفساد، يبادر المسؤولون - أيضاً - لانتقاد العامة بسبب تجاوز القوانين واللوائح، والإهمال وعدم الانضباط. ثمة مفارقة تتوسط المشهد. إذ فيما يقيّم المواطنون عموم المسؤولين بالجشع والفساد والتعالي، حتى بات كرسي المسؤولية شبهة لذاتها لا تحتاج دليلاً إضافياً. يمكنك سماع الانتقادات الهازئة والموبخة لمسؤول خارج من منصبه و«ما دار صيور على روحه» أي أنه لم يستغل ما كان فيه لتحصيل منافع ذاتية.

وبالمقابل، وإذ يكيل المسؤول للعموم - أي الشعب - كل الأوصاف العظيمة والتاريخية، ويقدس الجموع ورغباتها و«إرادتها الحرة»، فهو يرى فيهم ضمنياً مجموعة من المتملقين أو النازعين لتحصيل منافع خاصة. «رحمني اللي فرح فيا .. وبعد اللوم رأف بيا وقلبك ما رحمني يوم ……… ولما اشكي تخاصمني، وتغضب لما أقول لك يا ظالمني».

لا يدرك الشعب - وفقاً للمسؤول- الحد الفاصل بين العام والخاص، وأن تحقيق رغبات الجميع، يعني بالضبط عدم تحقيق رغبة أحد عملياً، بسبب التعارض لا محالة. فيرى المسؤول الشعب عالة على الدولة، التي هي مشروع غنيمة ليس إلا!!. وإذ يشتكي المواطنون ويتهمون السلطة والحكومة، يرد المسؤول بغضب وتململ بعدم تقدير جهوده، وما يبذله من أجلهم. ويردف عادة بأن المنصب بالذات سبب مشاكله، وعبء عليه، لكنه ومهما قال لن يتركه بحال. «أطاوع في هواك قلبي وأنسى الكل علشانك»!!. وإذا تذمر المسؤولون علناً، كان ذلك شرارة غضب هائج عليهم، ضد الذين «يتعالون بأنفة مصطنعة وزائفة، على الشعب الذي جعل لهم قيمة». أو هكذا يُقال.

هذه العلاقة الغريبة ربما لا تجدها في المجتمعات الأكثر تقدماً، صحيح تنهال على المسؤولين الشتيمة والشماتة عقب بيان تورطهم بمخالفة ما، لكن المسؤول - بريء حتى تثبت إدانته لا محالة - عكس ما يحدث عندنا. أي محاولة لدينا لترسيم علاقة مختلفة بين الطرفين، تعني أن يواجه كل طرف الآخر بمآخذه وملاحظاته، ولكن هذا بالذات سيكون سبباً للقطيعة من جديد.

ربما لأن العامة ومن فرط معاناتهم يرون الدولة الخائبة والفاشلة مجرد خائن للأمانة التي استلمتها، وهي ملك لهم، فيما يرى المسؤول أنه الأمين غير المقدّر ومن لا يحصل على حقه في بيان محاسنه وإنجازاته. علاقة يشعر الطرفان فيها بالظلم، وانتقاص القدر، ولكنها تعكس أزمة مفهوم الدولة، والنظر لها من الطرفين، لذلك يشعر كلاهما بالامتعاض، وحتى وإن لم يغنيا فعلياً مع «أم كلثوم وأحمد رامي»: «ولما أشكي تخاصمني وتزعل لما أقولك يوم يا يا يا ظالمني».