Atwasat

انتخابات فوز الحكومة

نورالدين خليفة النمر الخميس 14 أكتوبر 2021, 10:52 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تتفاقم هواجس المتشككين حول إجراء انتخابات رئاسة الـ 24 ديسمبر 2021 الليبية. وتنبني على عناصر الزمن، والمترشحين، ووجود مرتزقة آجانب، وضغوط الدول الخارجية حسب المصالح التي مازالت رغم التسويات الجارية متضاربة. أما آمال المتفائلين بنجاحها فتنبني على سابقة استقلال ليبيا الفارق، بإجراء انتخابات برلمانية مستعجلة عام 1952 فازت فيها الحكومة وفشلت فيها الانتخابات .

مهّدت الإدارة البريطانية المنتدبة لذلك بأن افتعلت في إقليم طرابلس 1942 ـ 1951 مناخاً ليبرالياً لصناعة سياسة، وهو مالم يكن إقليم برقة مؤهلاً له، لهيمنة (الكاريزما) الهيبة السنوسية والولاءات القبلية، وفقر برقة من مظاهر المدنية التي تمركزت في طرابلس منذ العهد القرامانلي عام 1711حتى هزيمة إيطاليا حليفة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية عام 1942.

بسبب المعارضة الطرابلسية لم تتمكن الإدارة البريطانية من إنشاء مجلس تشريعي منتخب. فكانت الخطوة العملية إقامة حكومة محلية. وبذلك أصدر المعتمد البريطاني بموافقة الملك المقبل إدريس مرسوماً بإعلان السلطات الانتقالية. وبذلك تمت إقامة الحكومة في مارس 1951. وأقرّ المجلس التنفيذي برئاسة المعتمد البريطاني وتمثيل الأحزاب السياسية الرئيسية ـ باستثناء حزب المؤتمر ـ بنفس التاريخ إنشاء مجلس وصاية وفقاً لقرار الجمعية الوطنية. وبموجب إعلان نقل السلطة الانتقالية تسنى للوطنيين السيطرة على الشئون الداخلية عبر حكومة مؤلفة من وزراء ليبيين يترأسهم محمود المنتصر الذي انتقل من وظيفته نائباً لرئيس المجلس الإداري البريطاني إلى رئاسة الحكومة الطرابلسية، التي شرعت بتوجيه الإدارة وتصريف الأمور التي كانت من قبل تمارسها الإدارة البريطانية .

المعتاد في الانتخابات البرلمانية أن تكون المنافسة بين الأحزاب السياسية والحزب الفائز يشكل الحكومة لتجاوز هذا التقليد حتى تكون الحكومة الموجودة هي الحكومة المستقبلية بعد الانتخابات. صارت المنافسة بين مترشحين أفراد اسمياً مستقلين وفعليا يمثلون حزب الحكومة وحزب المعارضة الممثل في الحزب الوحيد الباقي في الساحة حزب المؤتمر الطرابلسي الذي تزعمه السياسي بشير السعداوي .

تمت الانتخابات كما كان مقرراً لها في 19 فبراير 1952 ودلت النتائج على أن حزب المؤتمر فاز في مدينة طرابلس، لكن المرشحين الموالين للحكومة فازوا في الدواخل. ونفس الانتخابات أجريت في برقة التي هيمنت عليها كالعادة التراتيب القبلية، وكانت بنغازي استثناءً وحيداً حيث سادت الانتخابات إلى حدٍّ ما المنافسة العائلية .

زعماء حزب المؤتمر صدمتهم نتيجة الانتخابات فأوعزوا لأنصارهم في الدواخل الطرابلسية بالتشكيك في موظفي الحكومة بتهمة التلاعب في الانتخابات، فهرع العوام إلى العنف بالاعتداء على مباني الحكومة وقطع وسائل الموصلات، بل تجرأ البعض على المُجاهرة بحمل السلاح، بل امتدت فيما أظهرته الصور المتداولة اليوم على الفيس بوك طلائع المتظاهرين الريفيين إلى مدينة طرابلس، وهو ما أعطى إشارات إلى تطور الاضطرابات إلى عصيان عام للسلطة الحكومية .

رجحت كفة الحكومة في صراعها مع حزب المؤتمر المُعارض عناصر قوة أهمها: 1ـ السُمعة التي اكتسبتها من قبل الحكام البريطانيين ومبعوثية الأمم المتحدة، التي أثمرتها جهودها المبذولة في سبيل إعداد الترتيبات الأولية وتسجيل الناخبين وإصدار التعليمات والترشيح وجميع الخطوات اللازمة لإنهاء نتائج الانتخابات وإعلانها. وتغلبها على العرقلة من طرف الأحزاب المعارضة التي كثيراً ما لجأ مناصروها إلى العنف أثناء الاقتراع. 2 ـ الأخلاقية الرواقية التي أبداها الملك إدريس إزاء زعيم حزب المؤتمر الطرابلسي الذي ما انفك يُظهر في برامجه الانتخابية ولاءه للملك باعتباره رمزا البلاد، وممثل أماني الشعب القومية، وقد ساعدت حياديته على أن أحكم الملك سيطرته على إقليم برقة، مما يسر له السبيل في أن يبعد نفسه عن أن يكون طرفاً في الصراع بين الحكومة الاتحادية المسيطرة فعلياً على طرابلس وبين معارضها الوحيد حزب المؤتمر الطرابلسي.3 ـ توفرت للحكومة الوسائل الأمنية اللازمة لمواجهة الاضطرابات فتصرفت بالسرعة والحزم الكافيين لوقف العصيان. فألقت القبض على زعماء الحزب الرئيسيين في الدواخل وفي طرابلس التي كان نفوذ الحزب فيها قوياً، وفرضت رقابة بوليسية دقيقة على المواقع التي جرت فيها أعمال العنف.

وتغلبت على ترّدد الملك بأن استصدرت قرارها الجرئ بإخراج زعيم حزب المؤتمر من البلاد بدعوى حمله جواز سفر صادر عن المملكة السعودية التي عمل بها مستشاراً للقصر. هذا الإجراء الحكومي المتعلق بزعيمه شل حركة الحزب ففقد بذلك العنصر الدافع فيه .
الباحثون أمثال مجيد خدوري، قيّموا إجراءالحكومة إزاء الحزب وزعيمه على أن طرده من البلاد أراح الحكومة من وجود معارض قوي.

ولكن نتائجه كانت انهيار الأحزاب السياسية بسرعة، وبالذات في طرابلس التي كانت مؤهلة وقت ذاك لأن تكون النموذج المقتدى به لكل ليبيا، ـ كما أن انهيار حزب المؤتمر وضع الحكومة الاتحادية في موقف المنفردة في مواجهة الخلافات مع سلطات الولايات، بالذات ولاية برقة التي تستهوي قبائليتها دائما النزعة الانفصالية. كما أن البرلمان صار ضعيفاً بفقدانه حزباً قوياً يؤمن بالوحدة، وهو ما كان ضرورة للحكومة الاتحادية حيث يكون الشعور الإقليمي قوياً .

السؤال الذي يفترضه التاريخ هو لماذا تنكرت بريطانيا المنتدبة على ليبيا وقتها والتي أسست لاستقلالها لمبادئها الديمقراطية؟! بأن أفشلت أول انتخابات برلمانية فأخسرت الأحزاب بمالها وماعليها وأنجحت بديلاُ عنها الحكومة الدكتاتورية. السبب يكمن في الدستور الذي أسس لاستقلال ليبيا عام 1951 بتحديد وضعية الملك في أنه يملك ولايحكم، بينما مصالح بريطانيا وحلفائها من الدول التي حرّرت ليبيا وعززت مطلب الاستقلال كانت في حاجة لرئيس مُطلق اليد في توقيع اتفاقيات معها.

كما أن دراية ساسة بريطانيا المبكرة ارتأت معادلة رواقية الأخلاقية السنوسية الممثلة في الملك إدريس بالأبيقورية في أخلاق السياسة حسب رؤية الفيلسوفين البريطانيين بنثام ومِل الموسومة بمذهب المنفعة ممثلة في الحكومة المؤقتة وإدارتها المحنكة برئاسة محمود المنتصر. أما السؤال الذي يفترضه مؤرخ الأفكار عن العلاقة بين فلسفة الأخلاق متوخية مذهب المنفعة، والفلسفة السياسية المتوجهة للمصلحة؟! فإننا نرجعه إلى السيرة الذاتية للفيلسوف جرمي بنتام الذي اعتنق المذهب النفعي، مُنشأئا مجلة الدعوة إلى الإصلاح الدستوري، وكان لدعوته تلك أثرها الكبير في السياسة الإنجليزية.