Atwasat

موسم المؤتمرات السنوي

جمعة بوكليب الخميس 30 سبتمبر 2021, 10:29 صباحا
جمعة بوكليب

حلّ فصلُ الخريف في موعده، ومع حضوره بدأ موسم انعقاد المؤتمرات السنوية للأحزاب البريطانية. برايتون، مانشستر، بلاك بوول، بيرمنجهام، أربع مدن بريطانية كبيرة في الجنوب والوسط والشمال، ارتبطت أسماؤها بموسم انعقاد المؤتمرات. العادة جرت أن يعقد كل حزب مؤتمره السنوي في مدينة من المدن الأربع أعلاه، وألا يعقد في نفس المدينة مؤتمران. العادة أيضا جعلت الأحزاب تتفق على جدول زمني يحدد مدة الانعقاد: البداية والنهاية، لكي يمكن للمسؤولين في الحكومة، وللنواب واللوردات التغيب لفترة محددة، عن أعمالهم.

المؤتمرات تعقد بوتيرة أسبوعية منتظمة. كل أسبوع يخصص لانعقاد مؤتمر واحد فقط، وهكذا، على أن يكون مؤتمر الحزب الحاكم آخر المؤتمرات. حزب ويلز القومي يعقد مؤتمره في مدينة كارديف، وحزب اسكتلندا القومي يعقد مؤتمره السنوي في أدنبره أو غيرها من المدن الاسكتلندية، وأحزاب إيرلندا الشمالية تعقد مؤتمراتها في مدن الإقليم أو العاصمة بلفاست. الإجراءات التنظيمية أعلاه وجدت لإتاحة الفرصة أمام كل حزب لينال تغطية صحفية كاملة في مختلف وسائل الإعلام.

المؤتمرات في العادة يدعى لها رجال السلك الدبلوماسي وضيوف من عدة بلدان. ويظل أهمَّها اثنان: مؤتمر العمال ومؤتمر المحافظين. وخلالها، يحاول كل حزب أن يظهر وحدته، مستبعداً خلافاته، لكي يحظى بصورة جيدة لدى الناخبين. وخلال المؤتمر تحرص الأحزاب على اختلافها على تقديم برامجها لمختلف القطاعات. وعادة ما تقام على جانب كل مؤتمر لقاءات جانبية، أشد نقاشاً وحيوية واستقطابا للجمهور ووسائل الإعلام، تقيمها وتشرف عليها مختلف التيارات بالحزب، وتدعى لها شخصيات سياسية، أو خلافية.

لكن المؤتمرات السنوية مثل غيرها من الملتقيات السياسية والفنية والرياضية تعرضت في عاميّ الوباء للركود، واقتصرت على اللقاءات الافتراضية على الانترنت، وغابت أنشطتها من وسائل الإعلام.

ولم تعد إلى سابق عهدها إلا هذا الخريف، وانعقادها شير إلى قرب زوال المحنة الوبائية، وعودة رجال الساسة إلى ملاعبهم، في أتم الاستعداد. الساسة، في نظري، يشبهون الممثلين إلى حد كبير. فهم، وعلى اختلافهم، ينطفيء توهجهم في غياب الجمهور.

وعلى الخشبة الرئيسية لكل مؤتمر، يقفون متنافسين، واحداً تلو آخر، أمام مكبرات صوت، وعدسات تصوير، لأداء أدوار متكررة حفظوها ويجيدونها، وبلغة منتزعة من معاجم سياسية استهلكوها، وأرهقوها. ومن الممكن جداً القول إن المؤتمرات السنوية بمثابة أسواق تجارية موسمية مربحة.

فأهل السياسة يبيعون تجارتهم، على الخشبة الرئيسية وأمام عدسات التصوير، وخارج القاعة، يقوم غيرهم ببيع ما لديه من تجارة، من خلال أجنحة صغيرة، تصمم لهذا الغرض، من قبل شركات متخصصة، تذكر، مع الفارق، بالبسطات المفروشة على الأرض في الأسواق الشعبية. أغلب المواد التجارية الموضوعة تتعلق بالحزب: فناجين وأكواب شاي وقهوة مزينة بصور قادة الحزب، شالات، ايقونات لأشهر رجالات ونساء الحزب، كتب، مجلات، وغيرها.

أما خارج المبنى، فتشهد المدينة التي يعقد بها المؤتمر رواجا تجاريا ملحوظا، ويصير من الصعوبة بمكان العثور على إقامة بالفنادق، من دون حجز مبكر. اللافت للاهتمام، أن المؤتمرات، خاصة ذات الصلة بالحزب الحاكم، عادة ما تستقطب إليها متظاهرين ومحتجين من مختلف التيارات والاتجاهات. فترى الشوارع وقد فاضت بهم، وخاصة أمام مبنى انعقاد المؤتمر، وترى النشطاء يدورن في الأنحاء يوزعون المناشير، وبعضهم قد حملوا مكبرات صوت وهم يصيحون بشعارات معادية، ومدوية.

لكن في ضجيج ذلك العرس الكبير، وباستثناء العاملين في قطاع الضيافة، فإن أهل البيت، أقصد سكان المدينة، يكونون في شغل عنهم، ومن يحرص منهم على متابعة أعماله يتابعوه عبر وسائل الإعلام. لكن الانطباع العام، الذي يتركونه لدى الزائر، هو عدم اهتمام ملحوظ، بل إن بعضهم يتمنى عدم انعقادها كلية بسبب ما تحدثه من ربكة في حركة المرور، نتيجة إقفال طرق لأسباب أمنية، وحضور متزايد لرجال الأمن راجلين وراكبين، وتفاقم في أعداد السيارات.