Atwasat

المرتزقة وقلق أفريقيا

نورالدين خليفة النمر الخميس 23 سبتمبر 2021, 10:19 صباحا
نورالدين خليفة النمر

أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية، بشأن زيارة مستشارها إلى العاصمة طرابلس15 .09 .2021، بياناً أبرزت فيه تشدَّيده على دعم الولايات المتحدة للتنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في 23 .10 .2021 بما في ذلك انسحاب جميع المقاتلين والمرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية. أتت زيارة المسؤول الأمريكي يرافقه مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى ليبيا وسفيرها بعد زيارات رتبها المجلس الرئاسي شملت دول الجوار الأفريقي لليبيا من أجل التنسيق لحماية حدود الجنوب، ومنع زعزعة الأمن في ليبيا عبرها. إن وصف المسؤول الأمريكي لهذه الزيارات بالناجحة، يأتي تجاوباً أمريكيا مع التخوف الذي أبدته دول الساحل والصحراء الأفريقية، من الحالة الأمنية في تخومهماالحدودية مع ليبيا بما فيها دولة مالي التي يُشاع عن مجلسها العسكري الحاكم أنه على وشك الوصول إلى اتفاق وشيك مع روسيا بدخول مرتزقة وكالة فاغنر إلى بلاده لغرض التصدي لمقاتلين لهم صلة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش“. كما أن الخشية الأمريكية تنبع أيضاً من إتباع التدخل الروسي بالمرتزقة في مالي بمسلسل تدخلهم المتستر عليه في ليبيا والسافر في جمهورية أفريقيا الوسطى. النشاطية الأمريكية المتسارعة تأتي تعبيراً عن التضامن مع قلق فرنسا من توسع روسيا الأمني في مستعمراتها السابقة، التي تراه يقوض عمليتها المستمرة منذ 10 سنوات لمكافحة الإرهاب الذي تؤجج أُواره المجموعات الإسلامية المسلحة في منطقة الساحل الغربي الأفريقي، في وقت تسعى فيه لتقليص عملية "برخان" التي يشارك فيها 5 آلاف جندي، بهدف إعادة تشكيل القوة حتى تضم مزيداً من الشركاء الأوروبيين.

ماتم بناؤه بين عامي 20 ـ 2021 بدأب في جمهورية أفريقيا الوسطى يحطمه الضلوع الحاسم لمرتزقة فاغنر الروس في الانتهاكات الإنسانية التى يرتكبها الجيش هناك للسيطرة على البلاد، فتتلاشى المؤشرات الضعيفة التي كانت واعدة بأن يُوضع الماضي البائس للجمهورية الأفريقية الوسطى وراء الظهر. وساعدت في ذلك مجموعة من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية وجماعات المجتمع المدنى والوزارات الحكومية والدول الأجنبية. وإذ قَرُب التوصّل إلى إعادة بناء البلاد بعد حرب أهلية كارثية بدا الأمل ضعيفاً فالبلاد حسب ما أفاد هـ .م. هيونجوب كبير المحللين فى مجموعة الأزمات الدولية دخلت بسبب عامل المرتزقة فى فصل أكثر قتامة، ولا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور. وقد تصبح الجمهورية الأفريقية الوسطى غير قابلة للحكم فى الأشهر المقبلة.

ليس كما هو الأمر في ليبيا بالتوكؤ على مشروعية مخرومة لجيش ليبي متوهم. اكتسبت موسكو شرعية وعلنية موطئ قدمها فى جمهورية أفريقيا الوسطى بعد أن التقى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين أرشانج تواديرا فى أكتوبر 2017. بدأ التحالف بين البلدين بالتبرع بالأسلحة والذخيرة للجيش بالإضافة إلى قوة مرافقة قوامها 175 من العسكريين والمرتزقة المدربين. بالطبع هناك حوافز اقتصادية واستراتيجية وراء ذلك، أهمها سعى الكرملين إلى وضع بصمته الحاسمة إزاء الغرب والصين فى أفريقيا. وهذا يعززه ما يتردد من أن لوكالة المرتزقة "فاغنر" أنشطة تشمل جمهوريات: السودان وزيمبابوي وأنغولا ومدغشقر وغينيا وغينيا بيساو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى .

حساسية وضع مالي فرنسيا، كما حساسية وضع ليبيا أوروبياً، ألجأتا موسكو إلى المواربة. فقد نفى الناطق باسم الرئاسة الروسية، وجود عسكريين روس في مالي. وفيما إذا كان الكرملين يعلم بالمفاوضات، كرّر نفس الإجابة السابقة، فيما يخص ليبيا بأنه: "لا يوجد ممثلون عن القوات المسلحة الروسية هناك، ولا مفاوضات رسمية جارية بالخصوص".

توكل موسكو مسؤولية مرتزقة "فاغنر" لرجل أعمال روسي، تربطه وسائل استخباراتية أوروبية وأمريكية رأساً بالكرملين. ولكنه نفى أي صلة له بما يشاع عن اتفاقه مع مالي. ولم يعلق مكتبه على هذه التقارير. في حين أكدت المصادر عينها على أن المساعي الفرنسية الدبلوماسية لإعاقة الاتفاق، تتضمن طلب مساعدة شركاء مثل الولايات المتحدة في إقناع المجلس العسكري في مالي بعدم المضي قدماً في الاتفاق. وفي هذا الصدد تمّ إرسال دبلوماسيين كبار إلى موسكو ومالي لإجراء محادثات. ولم ترد وزارة الخارجية الفرنسية على طلب بالتعليق، لكن مصدراً دبلوماسياً فرنسياً انتقد تدخل مجموعة "فاغنر" في الدول الأفريقية الأخرى.

الظاهر أن العون الأمريكي لفرنسا بإعاقة اتفاق حكومة مالي مع مرتزقة فاغنر الروسية سيطرق أولاً البوابة الليبية. وهو التفسير الأرجح لزيارة مستشار وزارة الخارجية الأميركية المذكور آنفاً. فالوجود الروسي المرتزق في ليبيا، لايستند، كما هو الحال في جمهورية أفريقيا الوسطى، وإذا ماتمّ في مالي، إلى شرعية الدولة الطالبة، وأن التبجح الذي عبر به وزير الخارجية الروسي بشرعية برلمان طبرق، لاتستند إلى أساس. لأن طلب المساعدة العسكرية مهمة الحكومات وليس البرلمانات التي تستظل بها حكومات لاشرعية دولية لها، وفي الحالة الليبية فإن البرلمان تهلهلت شرعيته لقبوعه منذ سنوات بلا عمل في طبرق، ودعم مُسمى قائد جيشه المصطنع في عدوانه أواخر عام 2020 على العاصمة طرابلس .

يرصد تقرير لموقع «موند أفريك» الفرنسي إلى أن المجموعة المرتزقة الروسية "فاغنر" تضم حاليًا ألفي مقاتل في ليبيا، وتواصل تواجدها في سرت والجفرة. وفي العام الماضي، فرضت الولايات المتحدة أيضًا عقوبات على ثلاثة أشخاص وخمسة كيانات مرتبطة بالوكالة الروسية بعد اتهام المرتزقة بزرع ألغام في طرابلس وحولها.

ماتؤكده المعطيات السالفة أنه بعد زيارة سفير الاتحاد الأوروبي لطرابلس أتت زيارة المسؤول الأميركي إلى العاصمة كما هو معلن عنها بهدف الأاتطلاع عن كثب، على الترتيبات الفنية لإجراء انتخابات 24 ديسمبر 2021، والتأكد من جاهزية المفوضية العليا للانتخابات للشروع في تنفيذها، ولكن مارشح من وراء الكواليس أن الولايات المتحدة تدفع مع المجتمع الدولي باتجاه القبول بقانون الانتخابات الذي أصدره البرلمان، رغم علم الجميع بغياب التوافق الليبي عليه، وذلك لحسابات سياسية تستعجل مسألة اختيار رئيس لليبيا تكون له الشرعية الليبية الكاملة لطرد المرتزقة .