Atwasat

ارتدادات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 19 سبتمبر 2021, 12:50 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

عودة طالبان إلى الحكم، بعد مقارعتها أقوى وأعتى قوة عسكرية في العالم، هي الولايات المتحدة الأمريكية، على مدى عشرين سنة، يثير مخاوف عديدة على مستويات مختلفة وجهات عدة.

فمن جانب، هناك مشكلة وجود مجموعات على الأراضي الأفغانية تنتمي إلى منظمتين إسلاميتين إرهابيتين (1)هما القاعدة وداعش، وغالبية أفراد هذه المجموعات ينتمون إلى جنسيات أخرى غير الجنسية الأفغانية. فماذا سيكون موقف النظام الطالباني الجديد منهم؟. هل سيسمح بوجودهم بشرط أن يحلوا تنظيماتهم ويبقوا هناك كأفراد؟. أم سيطلب منهم مغادرة أفغانستان؟. وفي هذه الحالة إلى أين سيذهبون؟. أم هل سيقوم بتسليمهم إلى دولهم حيث تواجههم عقوبات الموت والسجن المؤبد؟. وهل ستقبل بهم دولهم أصلا؟.

لا أعتقد أنه ثمة إجابات، خارج التكهنات والتخمينات، على الأسئلة المطروحة أعلاه. وفي هذا الإطار أنا أرجح أن يطلب منهم الخروج من أفغانستان، وعندها سيتسللون إلى دول أخرى "هشة" يمكنهم أن ينظموا أنفسهم فيها أو ينضموا إلى تنظيمات مماثلة هناك.
على جانب آخر، ومثلما أشرنا في غير هذا المكان (2) سيعطي هذا الانتصار، الواضح والحاسم، دفعا معنويا بالغ القوة للمنظمات الإسلامية الإرهابية بإمكانية انتصارها، بل وحتميته، وأن المسألة مسألة صبر وداب فقط.

على المدى المنظور من المستبعد أن تقدم طالبان على تهديد المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، أو أي مكان، بشكل مباشر أو من خلال دعمها لمنظمات حليفة. وإنما ستركز على بسط نفوذها كاملا وسيطرتها تامة على التراب الأفغاني بكامله، كما أنها ستتجه إلى الشروع في إعمار البلاد، كي تنال موالاة قطاعات كبيرة من الشعب الأفغاني. لكن من المحتمل ألا تكون قادرة على تمويل عملية الإعمار هذه ولن تجد ممولين ومستثمرين أجانب (ربما باستثناء الصين)، فتحاول عندها تحريك بعض المنظمات الحليفة لمناوشة أمريكا، إيمانا منها أن أمريكا لن تكرر فعلتها السابقة في أفغانستان. لكن هذا لا يمنع أمريكا من القيام بغارات انتقامية تعودت أفغانستان على تحملها، وبذا تتوفر لطالبان ذريعة لتعليق فشلها في عملية الإعمار على أعداء خارجيين، وهي الذريعة التي تنتهجها الأنظمة الاستبدادية جميعها لتبرير فشلها.

ومن ناحية أخرى أثار انتصار طالبان وانسحاب أمريكا من أفغانستان مخاوف مصحوبة بأمال لدى الصين (3) التي تخشى من أن يؤثر انتصار طالبان على "المتشددين [المسلمين] الإيغور الذين تنظر إليهم على أنهم يمثلون تهديدا لاستقرار إقليم كسنجانغ، حيث يمثل الإيغور أكثرية ويتعرضون لقمع مكثف" بحسب الإيكونومست. وعلى جانب الأمل علقت صحيفة غلوبال تايمز الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني يوم 16 أغسطس (بعد سقوط كابول في يد طالبان بيوم) على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بأنه يمثل "نبوءة بشأن مستقبل تايوان". فإذا عجزت أمريكا عن استيعاب بضعة آلاف من الإصابات في أفغانستان فإن حربا حول تايوان "ستعني خسائر غير متخيلة". وقد وافق وزير دفاع تايواني سابق على هذا الطرح بالقول "هذا درس علينا أن نستوعبه... ينبغي على تايوان الاعتماد على قدراتها الدفاعية الذاتية بدلا من الدعم الأمريكي".

على المستوى الأوربي ثمة انزعاج معلن من ان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أمر لم يعد محل جدل، وحسب تصريح أحد الدبلوماسيين فإن هذا الانسحاب "يؤكد توجها موجودا منذ مدة طويلة حول التخلي الأمريكي"، وعليه، بضيف "على الأوربيين استخلاص النتائج" حول الاعتماد على أمريكا حين يتعلق الأمر بأزمات من مثل تلك التي في الشرق الأوسط والساحل. وفي هذا السياق صرح نائب بريطاني محافظ كان قد قاتل في أفغانستان بأن على بريطانيا "أن تضع رؤية... بخصوص إعادة تنشيط شركائنا الأوربيين في حلف الناتو من أجل ضمان عدم اعتمادنا على حليف واحد، وعلى قرار قائد واحد".

(1) نفرق بين التطرف والإرهاب. حيث يستهدف الأول السيطرة على السلطة في بلده، ويسعى الثاني إلى التمدد خارج محيطه والعمل في مكان يمكنه العمل فيه. كما أن أسلوب الأول أقل دموية وترويعا، قياسا بالثاني.
(2) انظر عمر أبو القاسم الككلي: حالة أميركا في أفغانستان: هزيمة.. أم إخفاق؟ http://alwasat.ly/news/opinions/332468?author=1
(3) انظر، من سايغون إلى كابول: ما الذي يعنيه للعالم انسحاب أمريكا من أفغانستان (From Saigon to Kabul: what America’s Afghan fiasco means for the world) The Economist, Aug 21 st 2021 edition.
وكل المعلومات والتصريحات اللاحقة مستقاة من هذا المصدر.