Atwasat

الطالبانيون الليبيون

نورالدين خليفة النمر الخميس 16 سبتمبر 2021, 10:30 صباحا
نورالدين خليفة النمر

نورالدين خليفة النمر
من متابعاتي للحدث الطالباني المستجد في آفغانستان، كتب الصحفيون العرب عن هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية، وانتصار حكومة "طالبان" أما "الطالبانيون" قدماء وجُددا فلم يكتب ـ فيما قرأت ـ في سيرتهم أحد. أنا لاتهمني في كتاباتي إلا ليبيا وسيرة الليبيين في السُلطة اللتين أعرف جيداً كيف أكتب عنهما .

ماتختلف فيه طالبان الجديدة والقديمة عن النظام الإسلامي في إيران مبدأ "تصدير الثورة" كنظام إسلامي بديل عن الأنظمة في البلدان المجاورة، ولكن طالبان الأولى كفلت تحت رعايتها لتنظيم "القاعدة" أن يصدِّر جهاده وجهادييه، متوجاً نشاطهم في 11 سبتمبر 2001 بتفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وجزء من مبنى وزارة الدفاع في واشنطن والذي أدانت الولايات المتحدة الأميركية تنظيم القاعدة المشتبه الرئيسي بتنفيذه واعتبرت حركة طالبان المسيطرة على العاصمة كابول وحكمت البلاد بين 1996 و2001 لكونها تؤويه المشتبه به الثاني .

دأب الطالبانيون الجُدد، وهم يسيطرون مرّة ثانية على كابول أن يكشفوا عبر الميديا التي لضرورات السياسة البرغماتية استساغوها، أن لحركتهم وجهاً مغايراً تُظهره مخالفاً لما عُرفت به تحت قيادة المُلا عمر الذي كان أول زعيم يصعد سدة الحكم، سنة 1996 منافساً سُنيّاً لرمزية زعامة الخميني في إيران الشيعية منذ عام 1979، ممّا عُدّ سابقة لازالت أبعادها السياسية والدينية والفكرية تثير الشكوك والأسئلة. ولكن خلافاً للخميني الذي عزز سلطته بطاقم أيديولوجي من مرجعيين لهم مكانة فكرية سامقة في إيران، ومفكرين ومثقفين تأهلوا وعاشوا في أوروبا، فإن زعيم تنظيم القاعدة، وحاميه الزعيم الطالباني افتقرت مشروعيتيهما للحاشية الأيديولوجية والفكرية .

المتابعون لتاريخ تنظيم القاعدة، وحركة طالبان تساءلوا عن مغزى بروز عناصر “الجماعة الليبية المقاتلة” الذين كانوا الأكثر أهمية بالنسبة إلى التنظيم من بين جميع المقاتلين الذين تسموا بـ “الأفغان العرب”. فقد تبوأ شاب من واحة أوباري النائية في الصحراء الليبية لاتوجد دلائل على أنه أكمل تعليمه المدرسي مرتبة القائد الميداني الثالث في "القاعدة" بل كان الفقيه الشرعي للتنظيم الأصولي، ولم يفته أن يصدر مؤلفات تبدي عناوينها هزالة محتواها الفكري كـ : رسائل نصح وإرشاد للقاعدين عن الجهاد، وردود على المراجعات الفكرية لقادة الجهاد المصري، وخطبة عيد الاضحى. أما المتميزون الآخرون فكانوا فيما تظهره الصور المتداولة في إعلام مواقع التواصل نالوا الحظوة من المُلا ذاته لحركة طالبان .

مقالة في صحيفة عربية كاتبها شخّص الخلل الطالباني بأنهم طلبة العلم الشرعي الذين انتقلوا من مقاعد الدراسة إلى ميادين الجهاد، وبعده إلى كراسي السلطة دون مراحل انتقالية. فهم حسب وصفه "جند الله في المعركة الغلط". ويعني معركة السلطة والسياسة. هذا العجز الطالباني بدا واضحاَ في عحز الطالبانيين الليبيين. فقد تنبه الخبراء في مجال الجماعات الإسلامية خاصة المسلحة منها، أن الهدف الرئيسي للميليشيات الليبية التي برزت فيها "الجماعة المقاتلة هو السلطة السياسية والوصول إليها بقوة السلاح لفرض الهيمنة على نطاق واسع ومدة طويلة، مستغلة شعارات دينية لسهولة استنباطها تُتبني مقولاتها لأنها مبهمة وغير واضحة ولا تحوي نظاما محددا مما يترك الباب مفتوحا أمام أهواء القيادات البارزة لتلك الميليشيات. وفي هذا الإطار يمكن فهم ذلك التحالف الخفي بين الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية المذكورة ومجموعات مقاتلة إسلامية أخرى للهيمنة على المشهد الثوري الليبي في قتال التحرير عام 2011 للتخلّص من النظام الدكتاتوري الليبي .

في مقالتي "المُقاتلة والمُخاتلة" بصحيفة الوسط13 يناير 2019 شخصت الخلل في انخراط "جند الله في المعركة الغلط" وكتبت عن أمير "الجماعة المقاتلة" الذي ترّشح لرئاسة المؤتمر الوطني العام في انتخابات 2012 بأن صيّر نفسه رئيساً "لحزب الوطن". بأننا لا نستطيع الكلام على شئ له علاقة بالسياسي في بيوغرافيته ولا بصفة الليبي التي ألصقها مُسمّىً لحزبه الذي فصلّه على مقاسه، وهو مايسري على رؤساء كل ما سميت بالمكوّنات السياسية، وانتفت عنها صفة الأحزاب لعدم صدور قانون بتأسيسها، أو لوائح حتى اليوم تنظّمها. كما أن هذه الأحزاب لم تسعَ ولو بخطوة واحدة للأمام في بلورة نفسها في هيكلية سياسية، بل كانت طوال الثماني سنوات اسماً وهمياً يتخفي وراءه رئيسها المتوّحد فيها؛ أو أن تكون وكيلاً عن تنظيم دولي كجماعة الأخوان المسلمين أو تابعاً إلى نزعة سلفية تغذيها أموال النفط، مرّتدة إلى ماضٍ وهمي وليس لها علاقة بالواقع الآني الذي هو في رؤيتها بدعة وانحراف عن أساس متوهّم في ضمائرها يُعبرّ عنه بالعنف والإرهاب، فتُقتل السياسة في معناها. فيما أورده الحديث النبوي أنّه: من أَشراط الساعة (...) أَن تُخْتَلَ الدنيا بالدين أَي تطلب الدنيا بعمل الآخرة.

في ثلاثة منشورات على سطح حائطي على الفيس بوك، عزّزت أولها بصور ومثل ليبي فيما قاله صاحب العقل "ما ابعد مكة على ابوحمار" قلّلتُ فيه من قيمة انتصار طالبان باستعادة سلطتهم على العاصمة كابول رسمياً يوم 31 أغسطس2021 ومقارنته، بانتصار ثوار الفيتكونج الفيتناميين ودخولهم للعاصمة سايغون ديسمبر 1974. وثانيها سفهّت فيه مشاعر الشامتين في آمريكا، اللذين يطلقون البخور لطالبان، بقولهم في ربع قرن انهزم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية في آفغانستان وتساءلت هل ربحت أفغانستان وإنشاء الله تربح طالبان؟!. وعززت تساؤلي بصورة قائد الجيش البريطاني وتصريحه محذراً استخذام مصطلح العدو بشأن طالبان مؤكداً التعاون مع الحركة مستقبلاً. أما المنشور الثالث فأفادت روحه المَسخري "comic الصور المتداولة بموقع البحث "قوقل" لقادة الجماعة المقاتلة الليبية وهم في ضيافة زعيم طالبان القديمة المُلاّ عمر تساءلت فيه هل بعد استعادة طالبان الثانية سيتركون شركاتهم "الأجنحة للطيران"، ورئاساتهم لمراكز بحث في الجماعات الإسلامية المتشددة والمسلحة كـ "كوليام الدولية" تمولها المخابرات البريطانية في لندن، أو مواقعهم في مؤسسة الإفتاء والأوقاف، وتصدرهم التعليم الشرعي في قنوات التناصح الليبية ليعودوا لمغامرات إليس في بلاد العجائب؟!