Atwasat

الذكرى العشرون: حسابات الربح والخسارة

جمعة بوكليب الخميس 16 سبتمبر 2021, 10:27 صباحا
جمعة بوكليب

مباشرة عقب وقوع الجريمة الإرهابية التي هزّت أمريكا والعالم في 11 سبتمبر 2011، وجد الأمريكيون أنفسهم يقفون على ضفة واحدة - متحدين ومرعوبين وموتورين - وقد قرروا تناسي خلافاتهم، والاستعداد للدفاع عن أنفسهم، وبلادهم، والديمقراطية الأمريكية، عبر ملاحقة الإرهاب والإرهابيين في كل بقاع العالم، واجتثات التطرف وغرس الديمقراطية الغربية في البلدان الإسلامية. بعد مرور عشرين عاماً على خروج أول حملة عسكرية متجهة إلى أفغانستان، عاد الأمريكيون إلى بلادهم فاكتشفوا أن التطرف قد توطد منتشراً بينهم، وأن ديمقراطيتهم التي خرجوا للدفاع عنها صارت في حالة يُرثى لها، وكاد أن يُقضى عليها نهائياً يوم 6 يناير 2021. وأن وحدتهم قد خرجت من النافذة، ومكانها حلت الفرقة والانقسام، وأضحت أمريكا كقنبلة موقوتة، على وشك الانفجار.

الرحلة الأمريكية - المتعبة والمرهقة والطويلة والمكلفة على كافة المستويات - توقفت أخيراً في محطة أخيرة، من دون حاجة إلى الالتفات، والنظر إلى الخلف في غضب. سلامة الوصول بعد الإجهاد كافية، ليتم، على عجل، طي ملف الرحلة وتشميعه، ووضعه على رفّ في الإرشيف، إلى جانب ما تراكم عبر السنين من ملفات لرحلات مشابهة، لم يعد مفضلاً التذكير بها، أو حتى مجرد ذكر اسمها.

الأحياء منّا الذين كانوا شهوداً على ذلك الحدث، ذلك اليوم البعيد، ولم يطلهم الخَرفُ بعد، لا شك يتذكرون الهلع الذي ساد دول العالم وشعوبه، وهم يتابعون بعيون غير مصدقة، على شاشات التلفزيونات مباشرة، أكبر قلعة عسكرية عرفها العالم، المعاصر والقديم، تتعرض أمامهم لهجوم إرهابي غير مسبوق في جرأته. في تلك اللحظات المروعة، لم يكن قائماً في الأذهان والقلوب سوى سؤال واحد: وماذا بعد؟
لم يطل بهم الوقت. جاء الرد مباشرة، بعد وقت قصير، حين قرر الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في أولى خطاباته بعد الفاجعة العودة بالزمن إلى الوراء، ومستعيراً لغته من قاموس فترة تاريخية مظلمة في تاريخ العالم، أطلق عليها المؤرخون اسم "الحروب الصليبية." وبدأ اسم المفكر الأمريكي صمويل هنتنغتون يتردد على ألسنة المعلقين في التعليقات والبرامج الإخبارية بكثرة. ولم يكن ممكناً، في أمريكا والغرب، على أحد التغريد خارج السرب الموتور. ولم يكن متاحاً مطلقاً في وسائل الإعلام السؤال حول النتيجة التي ستقود إليها هستيريا حرب الغرب الثأرية ضد الشرق الإسلامي. كان الجنّي قد خرج من الزجاجة وليس بمقدور أحد رده.

ربح الأمريكيون وحلفاؤهم كل المعارك العسكرية التي خاضوها لكنهم لم يربحوا الحرب. الذين ربحوا الحرب في أفغانستان، هم أنفسهم الذين خرجت حملة أمريكا "الصليبية"، كما وصفها الرئيس بوش الابن، لطردهم من أفغانستان وسحقهم. والديمقراطية التي خرج الأمريكيون وحلفاؤهم لزرعها في جبال تورا بورا القاسية، تبين، بعد عشرين عاماً، أنها لا تملك مقومات نبات زهر الخشخاش وقدرته على تحمل تلك الظروف الأفغانية القاسية. الديمقراطية نبتة غربية، غريبة على الشرق، ولا تستنبت بقوة السلاح والغلبة. وجذورها لا تعيش قريبة من سطح تربة محفورة بنصل حربة بندقية، بل تفضل الغوص عميقاً، وعلى مهل، في الأرض والعقول والقلوب. ونموها يتطلب زمناً، ويحتاج حرصاً وعناية ودأباً وحماية ورعاية وتعليماً وتدريباً وصبراً، وليس سجوناً من مثل "غوانتانامو بي" أو "أبوغريب"، ولا قوانين طوارئ، تمرر على عجل، جهارا نهاراً، في برلمانات ديمقراطية، لتنتهك أبسط قواعد الديمقراطية والإنسانية. ولا تسفير جويا قسريا يتم في الظلام، يقاد فيه بشر بعيون مغمضة وأياد مقيدة قسراً مع زوجاتهم وأطفالهم ليلقى بهم في سراديب معتمة في بلدان بسجلات دموية في مجال حقوق الإنسان.

لم تخسر أمريكا فقط الحرب، بانسحابها السريع والمهين من كابل. الحقيقة، كالعادة في كل الحروب، كانت أول الخاسرين. والديمقراطية الليبرالية كانت أكثر الخاسرين. والرابح الأول والأخير كان ايران والمد الطائفي الشيعي، والتطرف والتشدد السنّي، ممثلا في داعش، وطالبان، وأنصار الشريعة والجهاديين في الشرق وبلدان الساحل الأفريقي. وفي بلدان الغرب كان أحزاب اليمين المتطرف في أمريكا وبلدان أوروبا، الذين أوصلوا دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عام 2016، واقتحموا مبنى الكونجرس يوم 6 يناير 2021، في واقعة تاريخية لا تنسى، حتى صارت أضحوكة في موسكو وبكين وغيرهم من عواصم الاستبداد.
أليس جزاء من يزرع الريح أن يحصد العواصف؟