Atwasat

تشبيه ومقاربة!

صالح الحاراتي الثلاثاء 14 سبتمبر 2021, 10:44 صباحا
صالح الحاراتي

الشِّبْهُ هو المِثْلُ، والمُشابَهَةُ تعنى: المماثَلَة، و (التَّشبيهُ) يقومُ على وجودِ علاقةِ بينَ المشبَّه والمشبَّه به، ولابد من وجود معنى مشترك لكى تتحقَّق المشابهة: (فإذا قلت إن فلانا أَسَدٌ) فذلك يعنى انه جامع القوة أو الشجاعةِ، فاذا وجِد هذا المعنى في (فلان) فقدْ أشبه الأسد فيه، لثبوتِ ذات هذه الصفة في الأسد.

نعلم أن كلمة "حيوان" تطلق على كل ذي روح، ناطقًا كان أو غير ناطق، فإذا قلت "حيوان ناطق" قُصد بها الإنسان دون غيره؛ لأن الناطق هنا معناه المفكر بقوة.. ولكن يُراعى ما تعارف عليه الناس في ذلك، فإن كلمة حيوان صارت تستخدم في عرف الناس للشتم والسب، لا للوصف بالحياة، ولذلك فإنه لا يجوز أن يُقال لإنسان يا حيوان احتراما لآدميته وذلك يعتبر مُنافياً ومُجافياً للأخلاق الحميدة.

كما أن هناك من يقول لا يجوز تـشبيه الإنسان بالحيوان
(من منظور الدين) لان نصنا المقدس يقول:

(ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) سورة الإسراء، ويقول:
(لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) سورة التين.

ورغم ما أسلفنا من أنه لا يليق مقارنة الإنسان بالحيوان ولكن هناك مقاربات سائدة ومتداولة لأن هناك شبهِا بين الإنسان والحَيوان في الأكْلِ والشُّرْبِ والحركةِ والسُّكونِ والنَّومِ والإحساسِ وغيرِ ذلكَ، ولكن هناك الخصوصية للإنسان بالعقل وتذوق الجمال.

والملاحظ أن الأمثال الشعبية تحمل رصيدا كبيرا من التشبية والمماثلة بين الإنسان والحيوان، ولا شك أن الأمثال الشعبية تمثل جزءًا أصيلًا من ثقافات الشعوب في مختلف أنحاء العالم.

لنرَ جزءا من تلك المقاربات..
إذا أردنا مثلا أن نحترم ونقدر شخصا ما فنقول:
 

إن فلانا كالنمر.. او كالأسد.. أو كالصقر.. هذا إن كنا فى سياق المدح والتبجيل، أما لو كنا فى سياق الهجاء والذم.. وأردنا أن نهين شخصا ما فنستدعى مسميات مثل.. الحمار.. الكلب.. الأفعى.. الحرباء.. حاشاكم.. بل يصل الأمر غلى الحشرات.. صرصرى، قملة، نملة... إلخ، والأمر أظنه متعلقا بمسألة الشطط والتطرف فى المشاعر كما أن الفجور في الخصومة له تأثيره الظاهر بحيث يتم إنزال مكانة الإنسان إلى الحيوان وهى من "اسوأ" تجليات النفوس المريضة في مجتمعات الجهل..
نحب.. فنجعل المحبوب إلها!
ونكره.. فنجعله شيطانا!

ونستمر فى المقاربات....
حين يشابه الولد أباه، فيأتي بأفعال تشبه أفعال والده، أو قد يصدر منه موقف شبيه بموقف لأبيه، وغالبا موقف أو فعل جيد..
فيقال "ولد الفار يجي حفار"
أو "هذا الشبل من ذاك الأسد"
ولو كان أحد من ذريتك (فاشلا) أي عكس المثال السابق يقال: "الجمل يخلف البعر"!!

وإذا أكثر أحد من التربص بعيوب الآخرين يقال "الجمل ما يشوفش عوج رقبته" أما إن كنت أنت شخصيا منضبطا وتقوم بعملك بكل جد وإخلاص فيقولون عليك:

فلان "حمارشغل"!!
وإذا كنت تكتم غضبك وتضمر نواياك فيقال فلان "يدس زي الجمل"..

طبعا مشهور جدا المثل "ذيل الكلب حطوه فى قصباية طلع اعوج" رغم قناعتى بأن التغيير أمر ممكن دائما.. كما لا ننسى أيضا المثل المشهورإذا شكرت إحدى الأمهات ابنها القبيح الذميم فيقولو

"القرد فى عين امه غزال"..
أما إذا تعرضت حضرتك لحوادث كثيرة ونجوت منها فيشبهونك بالقط.. ويقولون فلان

(زى القطوس بسبع ارواح).
أما إذا كان أحدهم يبكي تصنعا فتوصف دموعه (بدموع التماسيح).

الداهية المكار يشبهونه بالثعلب،وكثير التلون يشبهونه بالحرباء،

وذكرنى صديق بمثال آخر تتضح فيه خصوصية البيئة الليبية وهو من اشتهر بالمراوغة يشبهونه بـ "البوزلفيت" وهو نوع من السمك أملس يصعب الإمساك به، أما من كان ذا رائحة كريهة فيقولون "صنته زى العتوت"

وهو (ذكر الماعز) وكأن لا شيء رائحته كريهة إلا (العتوت).

ولا ننسَ أن من يقلد غيره ولا يحسن التقليد يقولون زي طائر (البوجحار)
"لا مشي مشيته ولا عرف يمشي مشية الحمامة"..
واخيرا لا تفوتنا الإشارة إلى أن "عين البقرة" تدخل كمفردة غزل لعيون المرأة الجميلة... والمرأة الجميلة توصف بأنها غزالة.

هذا ما التقطته ذاكرتى بشكل عابر
عن التشبيه بين الحيوان والإنسان.