Atwasat

من يملك حق سرد الحكاية؟

جمعة بوكليب الخميس 09 سبتمبر 2021, 08:55 صباحا
جمعة بوكليب

يوم الثلاثاء الماضي، تحت جنح الظلام، أقلعت آخر الطائرات العسكرية الأمريكية من مطار كابل الدولي مغادرة بشحنتها من الجنود الأمريكيين. لدى إشراق شمس النهار، انتشرت قوات حركة طالبان في أنحاء المطار، مؤكدين سيطرتهم الكاملة. انتهت حقبة دامية وبدأت أخرى نتمنى على الله ألا تكون دامية. تولى الغرب بقيادة أمريكا رسم خريطة طريق للحقبة التي بدأت منذ عشرين عاماً وانتهت رسمياً يوم 31 أغسطس 2021. في اليوم التالي مباشرة، جلست حركة طالبان في مقعد القيادة الشاغر لتقود الحقبة الجديدة، وبالتالي تقرير اختيار خط السير. القادة الجدد ليسوا بغافلين عن حقيقة أن الطرق أمامهم، على اختلافها، ما زالت محفوفة بالمخاطر. هدف الرحلة: الوصول بأفغانستان إلى سلام فقدته قرابة نصف قرن. السؤال هل ستتمكن طالبان من الاستحواذ على حق سرد الفصل الجديد من الحكاية الأفغانية؟

الفصل الجديد من الحكاية الأفغانية، عقب الانسحاب الأمريكي، سيكون، في رأيي، ميدان صراع بين سردين بصوتين افغانيين مختلفين. صوتُ من داخل الحدود الجغرافية المتعارف عليها. وصوت متوزع في المنافي شرقاً وغرباً. الصوتان - السردان أفغانيا الدم والهوية. لكنهما مختلفان بالضرورة، كاختلاف حلمين.

ليس شرطاً أن من يملك البندقية والمدفع سوف يستحوذ على كتابة تاريخ الحقبة الأفغانية الجديدة، وإن تخندق وراء شرعية حازها بقوة السلاح، وكان الدم ثمناً. الفصل الجديد من الحكاية الأفغانية، بطبيعة الظروف التي وجد فيها، سيكون متعدد الأصوات. والرواة الذين سيحكونها مستقبلا، سوف يروونها بقراءات متعددة. للغالب حق رواية الحكاية من وجهة نظره. وللمغلوب أيضاً حكاية يحرص على سردها. المقارنة بين الحكايتين مستقبلاً متروك أمره للتاريخ والمؤرخين. لكن التاريخ، كما نعرف من التجارب، ليس محايداً، وإن تظاهر بالحياد، وكذلك من يتولون أمر توثيقه.

المنهج الحياتي والعقائدي لحركة طالبان، كما عرفناه، سوف ينعكس بقوة على طبيعة السرد في الفصل الجديد من الحكاية التي ستروى في كابل. وضميناً، فإنه سيكون آحادياً وإقصائياً. السرد الآخر سيكتب من المنافي، وسيكون متعدداً بالضرورة، ويحمل بصمات المنافي المتعددة وغير المتشابهة. ما أعتقده، أننا كسمتعمين أو كقارئين، سنقع في حبائل وشراك تداخل الأصوات.

التاريخ علمنا من تجاربه ودروسه، أن الحكم على الثورات من الأصح أن يكون في آخرها وليس أولها: أي ماذا سيحدث، في اليوم التالي، بعد أن تطير من الرؤوس نشوة النصر، ويحضر السؤال: ماذا يتوجب فعله؟ ذلك ربما يساهم في تكوين صورة، وإن كانت مضببه وغائمة، تساعد على تكهن خط سير السرد في الفصل الجديد من الحقبة الجديدة. وفي ذلك، قد يتساوى، في نظري، من سكنوا القصر الرئاسي في كابل، ومن تشردوا في المنافي. الحكاية، كما يقولون، مثل غرس شجرة. تبدأ بوضع شتلة في الأرض، وتعهدها بالرعاية والعناية، وحمايتها من تقلبات الطقس. ولن تنمو في يوم وليلة، بل تحتاج إلى سنوات. والحكاية لكي تقف على قدميها، وتبدأ تنقلها في مختلف أرجاء البلاد وخارجها، وتستوطن القلوب والعقول، تحتاج إلى وقت، وتعهد بالعناية والرعاية، حتى لا تتلاشى ضائعة.

انتشار التقنية الحديثة سوف يساهم في التعجيل ببداية سرد الفصل الجديد من الرواية الأفغانية بصوتيها الداخلي والمنفي. والسبب أن التقنية الحديثة سوف تمنح المنفيين وسيلة لنشر أصواتهم. وستوفر لهم منبراً لمجاراة سرد الرواية القادمة من كابل. وربما سيكون لها أفضلية ممثلة بقدرة المنفيين على تقديم سرد متنوع بلغات حيّة ومنتشرة وعديدة، لوجودهم في بلدان متقدمة تقنياً. هذه الميزة قد تسحب البساط من تحت أقدام حركة طالبان، وتضع ادعاءهم بالشرعية على المحك. الصراع على السلطة في المركز منه صراع على احتكار سرد الرواية - التاريخ. التقنية الحديثة بتطوراتها المذهلة وفرت سلاحاٌ وذخيرة للمغلوبين لتقديم سرد مختلف وفي خط مواز للخط الرسمي. ليس في أفغانستان فقط، بل في كل بلدان العالم. بمعنى أن احتكار السلطة لكتابة التاريخ، كما عرفناه في الماضي، أصيب بصدع في جداره بفعل التطور التقني. هل يعني ذلك تساوي كفتي الميزان في الصراع؟ ليس من السهل الإجابة بنعم أو لا. لأن للسلطة مواردها وإمكانياتها الهائلة على كافة المستويات. مثال ذلك، هيمنة الحكومة الصينية على مصادر التقنية ومساراتها، وفي فرض شروطها على الشركات الكبرى المزودة للتقنية، واستحواذ الخط الحزبي الرسمي تقنياً على الخطاب السردي بالقوة. هذا قد يحدث في أفغانستان وإن بدرجة أقل لاختلاف درجة التطور في البلدين. لكنه يظل احتمالا قائماً.