Atwasat

(أكسيدي).. وقانا ووقاكم الله

محمد عقيلة العمامي الإثنين 06 سبتمبر 2021, 11:07 صباحا
محمد عقيلة العمامي

«ألدوس ليونارد هكسلي - Aldous Leonard Huxley» كاتب وفيلسوف إنجليزي. له أكثر من 50 كتابًا، ما بين روايات واقعية، وقصائد، ومقالات، متنوعة.

تخرج في أكسفورد، بدرجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي. ولد يوم 26 يوليو 1894، في بريطانيا، وتوفي يوم 22 نوفمبر 1963 في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويعتبر واحدًا من أهم الأصوات الأدبية والفلسفية في القرن العشرين، من أشهر روايته «عالم جديد شجاع» التي حققت أعلى نسبة مبيعات بعد صدورها عام 1923، وهي التي أبرزت شكوكه ومخاوفه من التقدم العلمي، وقدرته على السيطرة على حياة الناس وتحويلهم إلى أتباع، مجرد تروس في عجلة التطور.

ومن أهم مؤلفاته رواية «الكروم الأصفر»، و«الجزيرة»، و«أبواب الإدراك»، و«السجن».

من أقواله الفلسفية: «التجربة ليست ما يحدث للإنسان، بل هي ما يفعله الإنسان بما يحدث له». ولقد قرأت له، مؤخرا، مقالا فلسفيا أحسست عبره وكأنه يتحدث عن حالة تنتابني، شخصيا، بين حين وآخر، ولعلها تنتابكم انتم أيضا. المقالة تتحدث عن شيطان أسماه (أكسيدي)، وهو شيطان لئيم، وذو «دهاء مميت»، ولا يخشى الظهور والتسكع ومناوشة عباد الله جهارا نهارا! فانتبهت إلى أن الله امتحننا بنسخة ليبية منه، فهو يتسكع بين ظهرارينا، ليس في القيلولة، فحسب، مثل (أكسيدي) ولكن طوال النهار والليل أيضا!
دعوني أحدثكم، أولا عن (أكسيدي) شيطان الكاتب (هكسلي) ثم نرى معا، كيف أنه لنا شيطان «ظريف» مثله تماما.

(هكسلي) يحدثنا عن جماعة من رهبان المسيحية الأولى، أسماهم (السينوبيت) لجأوا إلى صحراء مصر العليا، في جنوب سيناء، التي تحوي العديد من الأديرة لعل أشهرها كنيسة (سانت كترين). والمعروف أن الرهبان يتقشفون كثيرا ويتعمدون القيام مبكرا ليعملوا بجد تحت الشمس الحارقة، زادهم قليل وتعبهم كثير، وهذه المعاناة لتطويع النفس، ولمعاقبة الجسد، ثم يعودون وقت الظهيرة لراحة القيلولة.

يقول (هكسلي) أن معظم الشياطين يتسللون ويتلصصون وقت حلول الظلام، ولكن أحدهم، وهو (أكسيدى) الخبيث كان لا يخشى الظهور في النهار بل انتهز فرصة حالة الرهبان البدنية، وقت الحرارة الشديدة، وضعفهم، فكان يتسلل بسبب وهنهم إلى قلوبهم المنهكة بسبب الحرارة الشديدة - (وغياب الكهرباء) وهذه إضافة من عندي!- ويثير النفس الأمارة بالسوء! ويأخذ في إضعاف صبرها، وإثارة سخطها حتى يصل الراهب مرحلة (الثورة) إذ يبرز له حالة حياته البائسة، المقفرة، التي لا طعم لها وقت الظهيرة، وما زال بينه وبين وقت العشاء الجماعي الليلي ساعات طويلة، والشمس معلقة فوق رأسه، ويأخذ يوسوس له: «ما جدوى بقائه في هذه الصومعة؟» ولماذا لا يكون اقترابه من ربه وهو "مستلقٍ على شط من شطوط (شرم الشيخ) أو سهل حشيش أو ذهب، شط البدين، أو تاجورا مثلا" - وهذه الفقرة، أيضا، من عندي لم يكتبها (هكسلي)!- ويستمر (أكسيدي) في الوسوسة، وإثارة الرهبان، وتصعب عودتهم إلى تأملاتهم، بسبب محاصرة الاشمئزاز، والإعياء وحالة اليأس السوداء، ومن ثم الكفر، حتى يغادروا الدير، من دون أن يعرفوا إلى أين؟
ويتابع (هكسلي) تطوير (إكسيدي) لمهاراته، بما يتفق وما حدث خلال العصور الوسطى، متخذا بإصرار فرائسه من هؤلاء الرهبان الطيبين، وإن كان قد وسع مجال تخصصه ووجد ميادين أخرى بين عامة الناس الطيبين أيضا، مما جعل علماء النفس، المتخصصين في الشر، يسمون الحالة التي تصيب الرهبان (سأم القلب) معتبرينها إحدى الرذائل الثماني التي تصيب الإنسان، معتبرينها، مجرد خمول!

ويتدخل الشاعر والمؤلف الإنجليزي (جيفري تشوسر) في موضوع (أكسيدي) هذا ويقول: «إن أكسيدي هذا يجعل الرجل ثقيلا، حساسا، مشلول الإرادة، بطيئا ثقيلا ضعيف الأمل، يائسا، وفوق ذلك يبتعد عن المشاركة في أي عمل خيري، متشائما على الدوام» والمرء لا يستطيع أن يتجاهل مثل هذا التوصيف، الصادر من السيد (تشوسر)، الذي يعتبر أعظم شاعر إنجليزي في العصور الوسطى، والذي أطلق عليه لقب «أبو الأدب الإنجليزي» أو «أبو الشعر الإنجليزي»، خصوصا وأنه أضاف أن أكسيدي يتسبب في حصيلة كبيرة من الخطايا، منها الكسل، والإهمال، والتفكك الخلقي، والبرود، وعدم الإخلاص .. «وخطيئة الحزن الدنيوي، التي تذبح الإنسان.. » مثلما يقول القديس بولس ويضيف: «مصيرهم الدائرة الخامسة من الجحيم، خالدين فيها أبدا، إذ سيقذف بهم في الطين اللزج، وأناتهم وكلماتهم تظهر على السطح في هيئة فقاقيع»، كوصف (دانتي) لهم في جحيمه: «كنا ضجرين في الهواء، الذي جعلته الشمس حلوا، وفي جلال الشمس اللامع، صبت قلوبنا دخانا أسود».

لقد بدأنا بالضجر، وفي الضجر نعيش إلى الأبد في هذه الحفرة ويضيف: «أن الابتهال يتحشرج في حلوقهم، كما لو أنه غناء، تنقصه الكلمات والنغم».

وما إن انتهيت من قراءة (أكسيدي) هذا حتى حمدت الله أن ديننا لم يذكر لنا أبدا.. أبدا هذا الشيطان اللعين. فالحمد لله - يا سيدي- على هذه النعمة!